أكد نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب غسان حاصباني أن “الانتقائية في السيادة كما في الإصلاح لا توصل إلى أي نتيجة إيجابية بل إلى الفشل”، مشددًا على أن هذه الملفات “إما أن تكون كاملة أو لا تكون”، ومضيفًا أن “الجسم إذا خضع للعلاج وبقيت فيه خلية غير سليمة، يمكنها أن تتسبب بإعادة تفشي المرض الخبيث”.
وفي مقابلة مع الإعلامية وردة زامل عبر “إذاعة الشرق”، أشار حاصباني إلى أن “التاريخ سيتذكر الوزراء الـ13 الذين صوّتوا لمصلحة قانون الفجوة المالية، لأنهم حكموا بشطب ثروة بلد ودفعوا المواطن ثمن الفساد والهدر وعدم الجرأة على الإصلاح”. وأوضح أن وزراء “القوات اللبنانية” فندوا أسباب اعتراضهم على القانون وطرحوا بدائل واضحة، معتبرًا أنه “لا يمكن صياغة نص قانوني من دون معرفة الخطة الإصلاحية والأرقام التي يُبنى عليها، كي لا يتكرر سيناريو سلسلة الرتب والرواتب عام 2017”، لافتًا إلى غياب الشفافية ووضوح الخطة وعدم وجود الأرقام على طاولة مجلس الوزراء.
وأكد حاصباني أن “أموال المودعين لم تتبخر كما يدّعي البعض بل سُرقت”، معتبرًا أن القانون المطروح “لا يعيد هذه الأموال ولا يحاسب”، متسائلًا عما إذا كان قانون بهذه الخطورة لا يتطلب تصويت الثلثين، بدل التعامل معه كقانون عادي. ورأى أن الإصرار على الإسراع في إقراره وإرساله إلى مجلس النواب “هو التفاف على الحل”، محمّلًا رئيس الحكومة مسؤولية كبرى، لأن صلاحية التفاوض مع صندوق النقد الدولي تعود إلى مجلس الوزراء.
ودعا إلى التمييز بين تعثّر مصرف بسبب سوء الإدارة، حيث يجب محاسبة أصحاب المصارف، وبين تعثّر دولة نتيجة السياسات السيئة والهدر والفساد، حيث يجب محاسبة كل المتورطين. واعتبر أن القانون الذي أُقر “لا ينص على محاسبة جدية”، لغياب الوضوح في التدقيق وتتبع مسار الحسابات المالية والتدقيق في الصفقات المشبوهة ومن يقف خلفها، معتبرًا أنه “يعفي عما مضى ويترك الأمور مفتوحة على المجهول”.
وأشار حاصباني إلى ربط إقرار قانون الفجوة المالية بالتحضير لمؤتمر باريس الاستثماري الذي تأجل، معتبرًا أن إصدار قانون “شائك منذ سنوات” في فترة الأعياد ومن دون تدقيق وتمحيص، ورميه من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب، هو خطوة داخلية مترافقة مع التذرع بضغط خارجي. وأكد أنه “لا جدوى من أي قانون إذا لم تقم الدولة بخطوات إصلاحية فعلية، وترشّد إنفاقها، وتحسّن عائداتها، وتؤدي دورها تجاه المودعين ومصرف لبنان”.
وشدد على أن إعطاء القانون طابعًا عاديًا هو خطأ فادح، إذ كان يجب التعامل معه كقانون أساسي يتطلب أكثرية الثلثين، نظرًا لتأثيره المباشر ولسنوات طويلة على التنمية والواقع الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. واعتبر أن هذا القانون “اشتراكي بامتياز”، لأنه أمّم أموال الناس من دون توزيعها بعدالة، لافتًا إلى أن الدولة مدينة لمصرف لبنان وملزمة برسملته وفق قانون النقد والتسليف، من دون التزام واضح بذلك، وهو أمر خطير، خصوصًا أن الاحتياطي الإلزامي البالغ 14% من الودائع هو من أموال الناس وقد تم التصرف به.
وفنّد حاصباني مصادر يمكن للدولة أن تجني منها الأموال، مشيرًا إلى هدر لا يقل عن مليار ونصف مليار دولار سنويًا بسبب عدم تحصيل الجمارك بشكل سليم، إضافة إلى الغرامات غير المحصلة على الأملاك البحرية والكسارات والمقالع التي تلامس 4 مليارات دولار. كما لفت إلى إمكانية تحسين أداء مؤسسات الدولة كالكهرباء والاتصالات، بما قد يؤمّن مع الوقت مليارًا ونصف مليار دولار إضافية، فضلًا عن إدارة أملاك وعقارات الدولة بشكل أفضل من دون بيعها، ما يزيد الإيرادات. وأكد أن ترشيد الإدارة وتخفيف الهدر والتركيز على الأمن والجيش والصحة والتعليم يمكّن الدولة من تسيير شؤونها وسداد اليوروبوند وأموال المودعين.
وتحدث عن اليوروبوند، مشيرًا إلى أن غالبية حامليها باتوا مؤسسات أجنبية “كطيور كاسرة” اشترت السندات بنحو 6 سنتات وتطالب اليوم بـ25 سنتًا، معتبرًا أنه كان على الدولة التفاوض على هذه السندات بأسعار متدنية قبل البحث في قانون الفجوة المالية. واعتبر أن الأولوية أُعطيت لسداد اليوروبوند على حساب المودع اللبناني، إرضاءً لتلك المؤسسات وتحت ذريعة متطلبات صندوق النقد.
وردًا على توصيف رئيس الحكومة للانتقادات بأنها “حملات رخيصة”، قال حاصباني إن “استخفاف وديعة المواطن المحمية بالدستور يعني التعامل مع الشعب كسلعة تجارية، وهو أمر خطير جدًا”، داعيًا إلى معرفة من يقف خلف هذا التوجه وتأثير حملة اليوروبوند، ومعبّرًا عن أمله في تصحيح المسار، لأن الآمال المعلّقة على الحكومة كبيرة في ملف الإصلاح.
وختم حاصباني بالتأكيد أنه لا يريد الدخول في “الزواريب السياسية الضيقة”، بل التركيز على المقاربة، لافتًا إلى أن الحكومة أقرت نصًا قانونيًا من دون التأكد مما إذا كان صندوق النقد قد وافق عليه أم لا، ومن دون وجود جواب مكتوب تشاركه مع الوزراء.