دخل لبنان الشهر الأخير من المهلة المتاحة لحصر السلاح غير الشرعي، التي التزم بها حتى نهاية العام الجاري. ورغم أن تعيين السفير سيمون كرم رئيسًا للوفد اللبناني إلى “الميكانيزم” ساهم موقتًا في تبريد مناخات الحرب، فإن هذه الخطوة التي نالت حظوة لدى المجتمع الدولي، وأصابت “حزب الله” بـ “مغصٍ سياسي شديد” متعدد الأسباب، أبرزها موافقة “الأخ الأكبر” على اختيار كرم، ثم فرحة اللبنانيين بالذكرى الأولى لسقوط بشار الأسد، التي تبقى ناقصة، ما لم تترافق مع إجراءات فعلية لترسيخ السيادة على كامل الأراضي اللبنانية.
هذا ما تؤكد عليه الوفود العربية والغربية المتقاطرة إلى بيروت، وآخرها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، محمّلًا في يده اليمنى دعمًا متجددًا، وفي اليسرى تحذيرات واضحة من خطر الانفجار.
في هذا السياق، علمت “نداء الوطن” أن زيارة لودريان تقدّم مشهدًا دبلوماسيًّا، يوحي بدخول باريس مرحلة أكثر انخراطًا في الملف اللبناني، في توقيت إقليمي حساس تتقاطع فيه التهديدات الأمنية مع الضغوط السياسية. ووفق مصدر مطّلع، قال لـ “نداء الوطن”، إن اللقاء بين لودريان ورئيس الجمهورية جوزاف عون، طغى عليه الطابع العسكري والتفاوضي. فقد استفسر الموفد الفرنسي بإسهاب عن عمل “الميكانيزم”، مشيدًا بانعقاد أولى جلساتها بعد تعيين الأعضاء السياسيين، واصفًا إياها بالخطوة الإيجابية التي قد تساهم في تجنيب لبنان ضربة عسكرية، شرط استكمال المسار وتحقيق نتائج ملموسة.
وأبدى الموفد الفرنسي اهتمامًا بإعادة تفعيل “مؤتمر دعم الجيش”، لافتًا إلى أهمية اللقاء المرتقب في 18 كانون الأول، والذي سيضم قائد الجيش العماد رودولف هيكل، الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومستشارة الرئيس الفرنسي آن كلير لوجاندر والموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، حيث تراهن الإليزيه، على أن يشكّل هذا اللقاء منصة لتوحيد المقاربة الدولية حول المسارين السياسي والأمني، خصوصًا لجهة ضبط التوتر على الجبهة الجنوبية.
من جهته، أكد الرئيس عون الذي يتوجّه اليوم إلى سلطنة عُمان، التي تؤدي دور “الوسيط الهادئ” والمفاوض في النزاعات الإقليمية، أن “تحريك اجتماعات “الميكانيزم” يُجسّد إرادة لبنان باعتماد الحلول الدبلوماسية ورفضه المطلق للغة الحرب”، معتبرًا أن “المواقف المرحّبة من الدول الشقيقة والصديقة تؤكد صواب هذا الخيار، وتُسهم في خفض منسوب الضغط الناتج عن الاعتداءات المتكررة على لبنان”.
وبحسب المصدر فإن زيارة لودريان حملت ما يكفي من المعطيات لتأكيد استمرار الحضور الفرنسي في صلب المساعي الدولية، وسط انتظار لما ستفرزه الاجتماعات المقبلة، وما إذا كانت ستنجح في نقل الأزمة من مربع إدارة الوقت إلى دائرة السعي الحقيقي لإنتاج حلول قابلة للتطبيق.
اهتمام أوروبي بقوى الأمن الداخلي
في غضون ذلك، وعلى صعيد الدعم الدولي للجيش اللبناني، أظهرت وثيقة اطلعت عليها “رويترز” أن الاتحاد الأوروبي، يدرس خيارات لتعزيز قوى الأمن الداخلي اللبناني لتخفيف العبء عن الجيش اللبناني حتى يتسنى له تركيز الجهود على نزع سلاح “حزب الله”. وقالت الوثيقة، التي أصدرتها الذراع الدبلوماسية للاتحاد ووزعتها على الدول الأعضاء وعددها 27، إنها ستواصل المشاورات مع السلطات اللبنانية، وإن بعثة استطلاع ستتم في أوائل عام 2026 بشأن المساعدة الجديدة المحتملة لقوى الأمن الداخلي في البلاد. وذكرت الوثيقة أن جهود الاتحاد الأوروبي يمكن أن “تركز على المشورة والتدريب وبناء القدرات”، مضيفة أن الاتحاد لن يتولى مهام قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل)، التي من المقرر أن ينتهي تفويضها في نهاية عام 2026. وبدلاً من ذلك، يمكن “المساهمة في النقل التدريجي لمهام الأمن الداخلي” من الجيش اللبناني إلى قوى الأمن الداخلي، مما يسمح للجيش بالتركيز على مهامه الدفاعية الأساسية، بحسب الوثيقة. ومن المتوقع أن يضع الأمين العام للأمم المتحدة خطة انتقالية في حزيران 2026، والتي ستعالج المخاطر الناجمة عن رحيل “اليونيفيل”.
إيجابية أميركية تجاه قائد الجيش
تماهيًا مع هذا المناخ الإيجابي الممزوج بالحذر، برز أمس مؤشر واضح إلى أن الإدارة الأميركية لم تحسم خيار مقاطعة المؤسسة العسكرية، وأن “غيمة الصيف” التي خيّمت بعد إلغاء زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل إلى واشنطن، بدأت الانقشاع تدريجيًا. وهو ما يعكس استمرار التزام واشنطن بدعم الجيش اللبناني ضمن معادلة واضحة: “لا سلاح شرعي خارج كنف الدولة”. إذ كشف السفير الأميركي ميشال عيسى، عقب لقائه وزير الخارجية يوسف رجي، عن وجود “اتصالات لإعادة تفعيل زيارة قائد الجيش إلى واشنطن”، مرجّحًا أن “الزيارة ستتم”، مع إشارته إلى أن “الصورة باتت أوضح في ما يتعلّق بها، وإن لم يُحدّد موعدها النهائي بعد”. كما أطلق مواقف بارزة في ما يخصّ مسار التفاوض بين بيروت وتل أبيب، مشدّدًا على أن “أحدًا لم ينتظر السلام من الاجتماع الأول للميكانيزم”. واعتبر أن “المطلوب اليوم هو جمع الأطراف حول الطاولة ليقدّم كل منهم ما لديه”. وكان السفير عيسى قد تناول مع وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار، خلال لقائهما في الوزارة، آخر المستجدات على الساحتين اللبنانية والإقليمية، إضافة إلى التحضيرات الجارية لإنجاز الاستحقاق النيابي المرتقب.
رسائل جعجع تصيب مكانها
في هذا الإطار الانتخابي، لا تزال الرسائل المباشرة التي وجّهها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، لا سيما لرئيس المجلس النيابي نبيه بري تتفاعل سياسيًا، خصوصًا في ظل مطالبته إياه بأن “يرحمنا انتخابيًا”. فردّ المعاون السياسي لبري، النائب علي حسن خليل، معتبرًا أن جعجع “يتحدث وكأنه مرشد للجمهورية”، ومؤكدًا أن “موقع رئاسة المجلس وصلاحية الدعوة إلى الجلسات دستورية وقانونية ولا تقبل المصادرة من أحد”.
تصريحات خليل استدعت ردّا قويًا من عضو تكتل “الجمهورية القوية”، النائب غياث يزبك، قائلًا: “هناك مرشد مغتصب، خرّب جمهوريته والجمهوريات المجاورة، وهناك مرشد حكيم يرشد لبناء جمهوريته”. أما في ما خصّ غلطات النبيه التشريعية والسياسية، التي لا تأتي إلا بخراب المؤسسات والحروب، فهذه لا يمكن الدفاع عنها مهما ارتفعت نسبة التشاطر”.
مسيرات احتفالية تزعج “الحزب”
أمنيًا، شهد ليل أمس توترًا متنقلاً في عدد من المناطق اللبنانية، على وقع مسيرات احتفالية بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام الطاغية بشار الأسد. وأدّت المسيرات إلى اندلاع صدامات بين المشاركين وأنصار من “حزب الله” و”أمل”، لا سيما عند دوّار القناية، مدخل حارة صيدا، حيث سُجّل سقوط عدد من الجرحى.
وبحسب المعلومات، بدأ الإشكال على خلفية مرور المسيرة في المنطقة، قبل أن يتطوّر سريعًا إلى احتكاك مباشر، عمل الجيش والقوى الأمنية على تطويقه وفتح الطريق ومنع تفاقم الوضع، فيما نُقل الجرحى إلى مستشفيات المدينة، وفتح تحقيق لتحديد الملابسات والمسؤوليات. كما سُجّلت مسيرة دراجات نارية مماثلة على كورنيش المزرعة في بيروت. في السياق، أفادت مصادر مطّلعة بأن قرارًا سياسيًا – أمنيًا اتُخذ للحد من أي مسيرات استفزازية على الأراضي اللبنانية، تجنبًا لانزلاق الأوضاع نحو الفوضى، مع تكليف الجيش ضبط الميدان ورفع الجهوزية في مناطق التوتر.
مصادرة “درون” في مرفأ طرابلس
علمت “نداء الوطن” من مصادر أمنية أنه تمّت مصادرة 4 “درون” داخل مستوعبات قادمة من الصين في مرفأ طرابلس منذ حوالى 15 يومًا، وذلك من قبل مخابرات الجيش ومديرية الجمارك، وتُحفظ “الدرونات” حاليًا لدى الجمارك، على أن تُسلَّم لاحقًا إلى مخابرات الجيش فور انتهاء التحقيقات.
وتأتي عملية المصادرة بعد أن تبيّن للأجهزة الأمنية أن كل طائرة منها قادرة على حمل نحو 14 كيلوغرامًا، وهي ممنوعة من الدخول إلى لبنان نظرًا لإمكان استخدامها في قضايا أمنية. كما أظهر التدقيق في هوية صاحب الشحنة أنها مسجّلة باسم شركة وهمية.