الانتخابات

كتب د. نبيل خليفة في “نداء الوطن”:

عاد الحديث في لبنان مؤخرًا حول الانتخابات النيابية وضرورة إجراء دراسة علميّة ومعمّقة حول قانون الانتخاب الحالي وإجراء التدقيقات والتوضيحات الضرورية حول مواد هذا القانون الذي يعود إلى أكثر من عقد من الزمن. يومها شُكّلت لجنة برئاسة الوزير فؤاد بطرس لاستعراض ودراسة كافة المشاريع المتعلّقة بقانون الانتخاب. وقد قدّم للجنة في حينه 121 مشروعًا جری درسها على ضوء الوضعيّة اللبنانيّة. وبين هذه المشاريع مشروع قدّمه الدكتور نبيل خليفه بعنوان: “من أجل قانون انتخابي منصف على أساس ثلاث عشرة محافظة”. وقد علّق الوزير بطرس على هذا المشروع بقوله (بالفرنسية): C’est le projet le plus réaliste, le plus logique et le plus convaincant وترجمتها في العربية “إنه المشروع الأكثر واقعيّة والأكثر منطقية والأكثر إقناعًا” ودعا أعضاء اللجنة للعمل على أن يكون مشروع الباحث خليفه منطلقًا لصياغة القانون الانتخابي الجديد للبنان وهكذا كان. غير أن النوايا الخبيثة كانت قائمة في نفوس البعض من الذين يعملون لصالح قوى الاحتلال فأدخلوا إلى المشروع مادة تحدّد عدد النواب الذين ينتخبهم جمهور الانتشار اللبناني في العالم وعددهم ستّة نواب فقط. وكان واضحًا أن دعاة هذا الاقتراح يهدفون إلى تحديد وتقليص دور الاغتراب اللبناني في صياغة البرلمان اللبناني. وبدل أن يكون للمنتشرين رأي وكلمة في اختيار 128 نائبًا في البرلمان يراد لهم من جانب الجهات العميلة أن ينحصر دورهم في العمل لستة نواب فقط.

1- الدياسبورا اللبنانية ودور المسيحيين المنتشرين

من الواضح أن نسبة المسيحيين هي الطابع المميّز لدى الدياسبورا اللبنانية. ذلك أن تهجير اللبنانيين على دفعات من زمن الأمويين إلى زمن العباسيين إلى زمن الأتراك إلى زمن المماليك جعل الدياسبورا اللبنانية واحدة من أهمّ الدياسبورا العالمية خاصة بالنسبة لعدد سكان لبنان المحدود.

وفي عدد خاص عن الديموغرافيا العالميّة (أصدرته مؤخرًا جريدة Le monde ومجلة La vie ، وفيه فصل عن الدياسبورا العالمية فقد أكّدت أن عدد الدياسبورا اللبنانية هو 12 مليون شخص. وهو أوّل مرجع دوليّ يحدّد حجم الدياسبورا اللبنانية أي الانتشار اللبناني في العالم؟… والواضح في هذا الفصل أنّ الدياسبورا اللبنانية هي في غالبيتها ذات طبيعة مسيحية لأسباب معروفة مرتبطة بعامل الاضطهاد.

يضاف إليه أن هنري كيسنجر في مذكّراته، يشير إلى رغبة سوريا في السيطرة على لبنان. وعندما عبَّر الرئيس السوري عن هذه الرغبة (قبل دخول سوريا إلى لبنان) أجابه كيسنجر بأن من يودّ أن يسيطر على لبنان عليه أن يسيطر على مسيحييه قبل ذلك. فمن دون السيطرة على مسيحيي لبنان، لا يمكن السيطرة على لبنان وقد فهم الرئيس الأسد هذه النصيحة وعمل على تنفيذها في كافة وجوه الحياة اللبنانية وفي مقدّمها قانون الانتخاب وتصويت المنتشرين. إن منع المنتشرين من التصويت لكافة نوّاب المجلس النيابي، وهم يمثلون كافة الأقاليم والمحافظات اللبنانية هو اعتداء موصوف على حقّهم السياديّ وخلق محدودية لخيارهم الانتخابيّ بما يناقض حقوق الإنسان.

2- إن مشروع نبيل خليفه الانتخابي يؤكد منذ البداية وفي سياق ذكر المبادئ الأساسية “التي يقوم عليها المشروع”، على اعتماد الإحصاءات الرسمية مع اعتبار اللبنانيين المنتشرين جزءًا أساسيًا من هذا “الإحصاء” وبالتالي، فإنّ التعديلات التي أدخلت على المشروع لأهداف معروفة، لا تمتّ إلى حقيقة المشروع بصلة.

3- بالإضافة إليه يعتمد المشروع الانتخابي على جملة قواعد:

  • مراعاة قواعد الحياة المشتركة بين اللبنانيين.
  • تأمين صحة وفعالية التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب.
  • احترام وحدة الأرض والشعب والمؤسسات.
  • التمسّك بالديمقراطية كقاعدة للحياة العامة.
  • الأخذ في الاعتبار الواقع الطوائفي ديموغرافيًّا وجغرافيًا على الخريطة اللبنانية.
  • تحقيق التمثيل الصحيح داخل كلّ طائفة بين نواتها الصلبة من جانب واختلافها مع بقية الطوائف من جانب آخر.
  • إجراء الانتخابات على أساس المحافظة إذ ينصّ على ذلك اتفاق الطائف، “وثيقة الوفاق الوطني”.
  • إقامة توازن بين الحرية كمحور للفكر المسيحي والوحدة كمحور للفكر الإسلامي.

4- نظام العملية الانتخابية داخل النظام الديمقراطي البرلماني اللبناني.

تعود أهمية قانون الانتخاب إلی أربعة أسباب:

  • لأنه یعکس مدى الروحية الديمقراطية لدى الشعب وداخل الحكم.
  • لأنه يعكس التوازن الدقيق داخل التركيبة السياسية اللبنانية.
  • بما فيه من توازنات تمنع، كما يقول ميشال شيحا، أية طائفة من الهيمنة على بقية الطوائف وإن سعت إلى ذلك هدّدت وجود الدولة بالذات.
  • لأنه المدخل والأداة لقيام السلطة في المجتمع.
  • لأنه انعکاس للقوانين العامة: دستورًا وحقوقًا.

أكثر وأبعد من ذلك، فإن قانون الانتخابات في لبنان هو المؤسسة الأكثر فردية وأهميّة لأن لبنان هو بلد الأقليات المتشاركة. وهو كما يقول میشال شيحا، شرط التوازن والتفاهم بين اللبنانيين إذ هو مكان اللقاء الضروري بين اللبنانيين وغياب المجلس النيابي یعني غیاب حلقة اللقاء والحوار بين اللبنانيين، والخروج من حلقة الحوار الديمقراطي إلى حلقة النزاع الأيديولوجي الديني. إن مجلس النواب في لبنان هو مكان لقاء بين اللبنانيين كرمز للحياة المشتركة كشرط للتوازن والتفاهم.

5 – أهداف قانون الانتخاب في لبنان.

  • الهدف الأوّل هو بالتأكيد تمثيل نيابي صحیح لجميع شرائح المجتمع اللبناني من جماعات وطوائف وأحزاب…
  • السعي إلى كلّ ما يؤكد الحياة المشتركة بين اللبنانيين.
  • إقامة توازن بين مختلف القوى السياسية في البلاد.
  • إرساء قواعد الحياة الديمقراطية بقيام نظامين في البلاد: جماعة السلطة وجماعة المعارضة من خلال التنافس السياسي.
  • الارتقاء بالتنافس السياسي بين الكتلتين إلى تنافس بین الرؤى والأفکار وتشارك فيه المرأة اللبنانية بما يجعلها شريكًا في الحياة السياسية اللبنانية. من هنا ضرورة منح المرأة حقوقًا ومساواة في نص مشروع الانتخاب كي تقوم بوظيفتها الاجتماعية والإنسانية على أكمل وجه.

البحث