yaroun-church

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:

يحمل عيد الميلاد هذا العام رسالة مختلفة، إذ يأتي في ظل وضع أمني غير مستقر يُدخل قرى الجنوب اللبناني في حالة من اللّااستقرار. ومع ذلك، يمضي أبناء الجنوب، من مختلف طوائفهم، في التحضير للاحتفال بالميلاد. تشرّع القرى أبوابها للزينة وأشجار الميلاد، غير آبهة بالاستهدافات التي تنغص حياتهم بين الحين والآخر.

من النبطية التي عادت لرفع شجرة الميلاد بعد الحرب، إلى دردغيا التي نفضت الغبار عن كنيستها المدمّرة وقررت إحياء العيد، إلى يارون، البلدة الممنوع أهلها من العودة والتي تجسّد رسالة العيش الواحد، إلى قانا الجليل حيث مغارة السيد المسيح، وصولًا إلى مختلف القرى الجنوبية… وحده الميلاد يتحدث بلغة المحبة والسلام.

هنا، يبحث الجميع عن مساحة فرح وسط الدمار، وعن لغة التوافق التي جاء بها السيد المسيح. فالميلاد لا يعني إضاءة شجرة ورفع صلاة فحسب، بل يحمل هذا العام في طياته أبعادًا إنسانية من الوحدة والتعايش والمحبة. هو أكبر من مجرد عيد، بل وطن كامل، وفق تعبير أبناء تلك القرى.

يحكي إيلي عن معنى الميلاد قائلًا: “له رمزيته الخاصة هذا العام، ليس ككل الأعوام. هو دافع لنا لنواجه واقعنا بثبات، لنعيد بناء بلدتنا، ونجمع شملها ونحتفل رغم ما حلّ بنا. الميلاد هو قوتنا التي تعيد ضخ الروح فينا”.

الطريق من علما الشعب نحو يارون ما زالت مقطوعة بسبب وجود نقطة مستحدثة للجيش الإسرائيلي في تلال رامية. غير أن يارون، هذه البلدة التي كانت قبل الحرب أيقونة في الهندسة المعمارية، حيث تتمازج المنازل الحديثة مع البيوت الحجرية القديمة، باتت اليوم ركامًا. حتى كنيستها العتيقة دُمّر جزء كبير منها، ومع ذلك يصرّ أبناء يارون على إقامة الصلاة فوق أنقاضها. وقدّموا حجرًا من حجارتها القديمة للبابا لاوون الرابع عشر خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان. هنا، للميلاد قصته، وتاريخ البلدة يحكي علاقة الناس بالكنيسة والميلاد.

أما في دردغيا، البلدة الأجمل ببيوتها الحجرية القديمة وأزقتها الضيقة المتعرجة، حيث يحمل كل زاوية تاريخ البلدة، فلم تتخلّ عن هويتها رغم تدمير جزء من منازلها، إذ أُعيد ترميمها بالطريقة ذاتها. يؤمن أهلها أن التاريخ والثقافة جزء لا يتجزأ من ميلاد الرحمة والمحبة.

يقول جورج إيليا، ابن بلدة دردغيا: “الميلاد هذا العام مختلف لأنه تكلّل بزيارة البابا لاوون الرابع عشر”، معتبرًا أن ميلاد دردغيا يحمل معاني الأمل والتسامح، رغم الظروف القاسية. ويضيف: “قمنا برفع الزينة داخل البلدة، وسنوزع هدايا الميلاد على الأطفال بالشراكة مع “اليونيفيل” ضمن فعالية خلّونا نفرح بالميلاد».

وقد رفعت رعية البلدة شجرة الميلاد فوق ركام الكنيسة، للتأكيد، وفق إيليا، على أن “أبواب الجحيم لن تقوى على المذبح والجرس”، رغم أن الأمنيات كانت بأن يُولد الميلاد داخل الكنيسة نفسها.

لم تتخلَّ القرى الجنوبية يومًا عن احتفالية الميلاد، فهو بالنسبة إليهم جزء من أيام الفرح التي تدخل السعادة إلى القلوب، فكيف إذا جاء ميلاد السيد المسيح في وقتٍ أحوج ما يكون فيه الناس إلى جرعة سلام ومحبة، وجرعة تعايش مع الآلام التي انتصر بها السيد المسيح؟

في كل قرية جنوبية حكاية ميلاد. السياسة ممنوعة من الصرف هنا، وحديث الانتخابات كذلك. الحديث الوحيد هو عن الفرح، عن التآخي، وعن عودة الاستقرار إلى قرى دمرتها الحرب ونهضت لتعيش الميلاد.

في علما الشعب، هذه البلدة الصغيرة ذات البيوت الحجرية القديمة، للميلاد قصة مختلفة. تنشغل سيدات البلدة مع شبانها بالتحضير للاحتفال الذي يعيد لمّ شمل البلدة بعد الحرب. وبحسب أبنائها، بات الميلاد رسالة عودة إلى الوطن، إلى البلدة التي دُمّر جزء كبير من منازلها لكنها نهضت لتحتفل.

تقول مختارة علما الشعب زهر طوبية: “الميلاد هذا العام خجول، ومع ذلك نحييه لزرع الأمل في نفوس الأطفال باحتفالية بسيطة”.

وتضيف: «”لولا إيماننا بالميلاد الجديد لما كان هناك ميلاد، رغم ما تمرّ به علما الشعب. نملك الأمل والرجاء، لذلك رفعنا الزينة وأقمنا المغارة، لتؤكد علما أنها لن تتخلّى عن ميلاد المسيح الذي يحمل لنا السلام المرجو”.

تمضي القرى الجنوبية في احتفالية الميلاد، ترفع أصوات الفرح في وجه الدمار، لتؤكد أن ميلاد المسيح جاء ليبعث الروح في القرى، ويكون رسالة سلام ومحبة تولد من جحيم الحرب.

البحث