اليونيفيل

كتبت وفاء بيضون:

ثمة قطبة مخفية رافقت إجماع الدول الـ 15 المنضوية في عضوية مجلس الأمن الدولي بتصويتها على «التمديد للقوات الدولية العاملة جنوب لبنان»، وأبرزها كان الولايات المتحدة التي سبق ولوّحت باعتراض شديد يلاقي رغبة إسرائيل بعدم التمديد لهذه القوات، ورغم ان فرنسا التي كانت من أشدّ الدول الداعمة للتمديد بورقتها المعدّلة إلّا ان الورقة الأميركية تفوّقت وانقضى التصويت بتمديد ينتهي عمليا في كانون الأول من العام 2026, على أن تنهي «قوات حفظ السلام» مهامها ووجودها أواخر العام 2027 بشكل نهائي.

ووفق معلومات اطّلعت على الخطة الأميركية، فان واشنطن وافقت على إبرام استمرار «القبعة الزرقاء» في مقدمة تريد من خلالها إعادة التشكيل، بعيدا عن وضع هذه القوات حاليا، الى تحويلها «لقوات تدخل بمهام ووجهات مهمات جديدة أشبه بانتداب جديد لكل الحدود اللبنانية – الفلسطينية» وهنا مربط الفرس كما تقول المصادر.

من هنا قرأ العديد من المطّلعين أن ما جرى لا يشكّل محطة عابرة فحسب «إنما يمهّد لخريطة طريق المشروع الاقتصادي الترامبي الذي لوّح له رئيس الولايات المتحدة وسمّاه باسمه ليحسم مخاض طويل صوّبت خلاله حكومة الكيان الإسرائيلي جام غضبها على القوة الدولية التي تتهمها حكومة نتنياهو بالفشل في وقف تنامي قوة حزب الله على مدى السنوات الماضية».

لذا فإنّ التمديد «لليونيفيل» لا يعد انتصاراً للبنان كما روّج البعض بالمعنى الكامل، خصوصاً أنّ المعطيات تقاطعت على أنّ هذا التمديد سيكون الأخير، وعلى «القوة الدولية» أن تنسحب من جنوب لبنان بنهايته، في رسالة ضمنية واحدة، قوامها أن المجتمع الدولي يضع الجنوب اللبناني في مواجهة لا يبدو سهلا خوضها بوجه التطورات المقبلة من غرف التسويات وإرساء المشاريع التي تخدم الدول الكبرى دون سواها.

وتتابع المصادر: «إذا كانت صيغة التمديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في لبنان انطوت على انكفاء تكتيكي أميركي في مكان ما، بعدما كانت إدارة ترامب متناغمة مع رغبات حكومة تل أبيب في رفض التمديد لها، وإن اختلفت الأسباب والاعتبارات، فإن الاهتمام الدولي انصب في الساعات الماضية على الديناميكية الأميركية – الفرنسية التي أفرزت هذا التوافق، وإن لم تتبلور حتى الآن كتفاهم مكتمل، وبقيت محصورة بدور إدارة الأزمة، وسط تبادل للأدوار بين باريس وواشنطن، فهذا يستند إلى رؤية البيت الأبيض الى ما بعد انتهاء التمديد ليبدأ العمل على تنفيذ الخطة البديلة بقوات جديدة ومهام خاصة وأجندة عمل مختلفة عما سبق لهذه القوات. وهذا يعزز صحة ما رشح من معلومات سبق وان لاحت ملامحها وسط التفاوض ما قبل قرار التمديد الأخير، كما ويعزز صحة ما تتحدث عنه أوساط عدة بأن الكيان الإسرائيلي ذاهب لتوسيع نقاط احتلاله «جنوب لبنان» فاتحا المجال أمام ترسيخ منطقة معزولة من أهلها الجنوبيين ليحلّ مكانها المشروع السياحي الاقتصادي الذي تخطط له حكومتا واشنطن وتل أبيب كبديل عن بقاء الاحتلال بمعناه العملي واستبداله بقوات رديفة تحمي المصالح المزعومة؛ وهذا لم يغب عن محادثات الموفدين الأميركيين في زيارتهم الجماعية أخيرا الى بيروت».

وإذا كانت هذه الصيغة وفق المعلومات، تشكّل مخرجا، وفق واضعي خطة إعادة التشكيل والتموضع، إلّا انها تشكّل بنفس الوقت صاعق تفجير خاصة وان «حزب الله» لم يتخلَّ عن سلاحه وفق «خطة وقرار الحكومة اللبنانية»، ما يدعونا للترقّب وإعادة المشهد الى ثمانينيات القرن الماضي، ابان احتلال جنوب لبنان، وما رافقه من اجهاض لمشاريع متعددة من جيش بديل يحمي مصالح الكيان: «قوات سعد حداد وأنطوان لحد» على وجه الخصوص، وانتهاء الأمر باندحار جماعي شتّت المهام وبدّد المشاريع آنذاك.

في المحصلة، قد يبرز الانعكاس المباشر لهذا المشهد في الداخل اللبناني، إذ إن القوى الرسمية رحّبت بالتمديد باعتباره عامل استقرار، بينما قرأه «الثنائي الشيعي» على أنّه بداية مرحلة ضغوط جديدة تستهدف «سلاح الحزب ودوره في معادلة الردع»، ولا سيما ان لبنان التزم بكامل بنود اتفاق السابع والعشرين من تشرين الثاني عام 2024، فيما تملص الاحتلال من التزاماته. وهذا ما يؤكد ان مرحلة جديدة ستشهدها المنطقة بتوزيع المهام من «سوريا جنوبا الى فلسطين وغزة وليس انتهاء بجنوب لبنان». فهل تنهي قوات اليونيفيل حقبة ضبط إيقاع الحدود وتتحوّل الى «قوات ردع أجنبية» في الشكل، لحماية المصالح الاقتصادية للكيان الإسرائيلي، وفي المضمون «قوة تندرج تحت الفصل السابع لردع أي اعتراض على أجندة المشاريع المستقبلية».. هذا طبعا إذا كتب لهذه المشاريع النجاح!

البحث