غزة

بعد مرور أكثر من 18 شهراً على بدء الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، والتي أعلنت إسرائيل أنها تهدف من خلالها إلى القضاء على حركة “حماس” واستعادة المحتجزين، ظهر هدف ثالث لم يكن معلناً في البداية: الاحتلال الدائم للقطاع، وهو ما بدأ يظهر إلى العلن الآن كمخطط حقيقي خلف العمليات العسكرية الجارية.

لأول مرة منذ اندلاع الحرب، تستخدم الحكومة الإسرائيلية صراحةً مصطلح “احتلال غزة”. فقد أعلن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، أن نية بلاده هي السيطرة الكاملة والدائمة على القطاع، قائلاً: “نحن نحتل غزة من أجل البقاء… لم يعد هناك دخول وخروج”. وأضاف أن الحرب الحالية ليست مجرد معركة، بل “حرب وجود”.

وزير الثقافة ميكي زوهار أيّد هذا التوجه، قائلاً إن “الاحتلال الكامل للقطاع” بات الخيار الوحيد المطروح. ودعا سموتريتش الإسرائيليين للتخلص من “الخوف من كلمة الاحتلال”، مؤكداً أن ما يجري حالياً هو قرار استراتيجي لن يكون بعده انسحاب، حتى مقابل إطلاق الرهائن.

العودة إلى ما قبل أوسلو

ما تقترحه الحكومة الإسرائيلية اليوم يعيد غزة إلى ما قبل عام 1993، أي إلى مرحلة السيطرة الكاملة قبل توقيع اتفاق أوسلو. لكن هذا الطرح يفتح الباب أمام مسؤوليات ثقيلة وفق القانون الدولي، حيث يتطلب الاحتلال إدارة شؤون الحياة المدنية اليومية: من التعليم والصحة إلى الخدمات البلدية والبنى التحتية.

وفق القانون الدولي الإنساني، لا تكتسب القوة المحتلة السيادة على الأراضي التي تسيطر عليها، بل تُلزم بضمان سلامة السكان المحليين، وتقديم الخدمات، واحترام القوانين المحلية ما أمكن.

وقال مسؤول فلسطيني لصحيفة الشرق الأوسط: “إعادة احتلال غزة تعني أن إسرائيل ستكون مسؤولة عن رواتب المعلمين والأطباء، عن جمع القمامة، وتنظيم السير، ومعالجة المرضى… هذا ليس احتلالاً عسكرياً فقط، بل إدارة كاملة للحياة المدنية، وهو ما لا تحتمله إسرائيل بشرياً ولا مالياً”.

المؤسسة العسكرية تعارض

منذ الأيام الأولى للحرب، اصطدمت فكرة الاحتلال الدائم بمعارضة قوية من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. شخصيات مثل وزير الدفاع الأسبق يوآف غالانت وقائد الجيش الأسبق هرتسي هاليفي، حذروا من التكلفة البشرية والمالية، والعواقب القانونية الدولية.

كما عارض القائد الحالي للجيش، إيال زامير، هذه الفكرة، واعتبر أنها قد تؤدي إلى فشل في استعادة الرهائن. وبلغ الخلاف ذروته عندما رفض وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير السماح بدخول مساعدات إنسانية، فرد عليه زامير بشدة قائلاً: “أنت تعرضنا جميعاً للخطر… نحن ملتزمون بالقانون الدولي ولا يمكننا تجويع القطاع”.

هل الاحتلال قابل للتحقق؟

رغم تحرك الحكومة باتجاه فرض واقع جديد في غزة، إلا أن الجدل الداخلي الإسرائيلي لا يزال محتدماً. فهناك قادة سياسيون وأمنيون، إضافة إلى عائلات المحتجزين، يرفضون الاحتلال الكامل أخلاقياً واستراتيجياً، ويرون أنه يعقّد ملف الرهائن ويطيل أمد الحرب دون أفق سياسي واضح.

الصحافي ناداف إيال كتب في صحيفة يديعوت أحرونوت: “إسرائيل أمام ثلاثة خيارات: اتفاق يؤدي لإطلاق الرهائن، احتلال القطاع كاملاً، أو حل سياسي يزيل حكم حماس وينهي الحرب”.

أجندات أخرى؟

ورغم أن الاحتلال يبدو هدفاً رئيسياً، تشير تسريبات إلى نوايا أخرى تقف خلف التصعيد. فقد نقلت القناة 13 الإسرائيلية عن مصدر سياسي قوله إن نتنياهو لا يزال يسعى لتطبيق جزء من “خطة ترامب”، التي تتضمن تهجير طوعي لسكان غزة بموافقة دولية. وهناك اتصالات تجري حالياً مع دول بهذا الشأن.

صحيفة هآرتس كشفت أن إسرائيل قد تؤجل توسيع عمليتها في غزة إلى ما بعد زيارة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب إلى المنطقة في منتصف مايو. وإن لم يتم التوصل إلى اتفاق حول الرهائن بحلول ذلك الوقت، ستبدأ إسرائيل مرحلة جديدة من العمليات تتضمن بقاء الجيش في المناطق المسيطر عليها، وفق ما يُعرف بـ”نموذج رفح”.

البحث