في خيمة لا تتجاوز مساحتها أربعة أمتار، وسط مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة، تعيش الطفلة شام قديح، التي لم تكمل عامها الثاني، وسط ظروف مأساوية تزداد سوءًا يومًا بعد يوم. شام، كآلاف الأطفال في غزة، تعاني من سوء تغذية حاد يهدد حياتها، في ظل شُح الغذاء، وانعدام الرعاية الصحية، وتراكم الأمراض البيئية.
لا تملك والدتها، إسلام قديح، سوى الماء لتخفيف حرارة طفلتها المنهكة، التي تعاني تضخمًا في الكبد، وسوء تغذية حاد منذ ولادتها. نقلتها إلى عدة مستشفيات، لكنها لم تجد العلاج، فعادت بها إلى الخيمة التي تلتهب بحرّ الصيف، لتكمل دورة معاناة لا تنتهي.
وزن شام لم يتجاوز 4.5 كيلوغرام رغم بلوغها عامها الأول وعشرة أشهر، وعظام صدرها بارزة من شدة الهزال. الأم لا تستطيع توفير الحليب أو الحفاضات أو الطعام اللازم، والأسنان تغيّر لونها بسبب نقص الكالسيوم، في وقت تغيب فيه أي جهة تنسّق لسفرها لتلقي العلاج.
حالات تتزايد… والموت يتسلل بصمت
بحسب وزارة الصحة في غزة، سُجّلت 154 حالة وفاة بسوء التغذية منذ بداية الحرب، بينهم 89 طفلاً، وأكثر من نصف هذه الوفيات وقعت في يوليو فقط. ووُثّقت 28677 حالة سوء تغذية، في وقت يحتاج فيه 260 ألف طفل دون سن الخامسة إلى غذاء عاجل، إلى جانب 100 ألف حامل، وآلاف حالات الإجهاض والولادة المبكرة وكبار السن والجرحى المعرّضين لمضاعفات خطيرة.
من بين هؤلاء، الطفلة ولاء جودة (6 أعوام)، التي سقط شعرها وتكسّرت أسنانها ونحل جسدها، بسبب الفقر الغذائي. تقول والدتها إنها تضطر إلى تفتيت الخبز وطلب الدقيق من الجيران. لا يوجد حليب، ولا بيض، ولا أدوية، فقط “الدقة” تسد الرمق. كل ما تطلبه الأم: “نفسي بنتي توقف وتلعب مثل الأطفال”.
رغم حصولها على تحويل للعلاج في الخارج، منعتها إغلاقات المعابر من السفر.
تحذيرات أممية… ومجاعة في أقسى مراحلها
برنامج الأغذية العالمي أكد أن معدلات سوء التغذية في غزة بين الأطفال تضاعفت أربع مرات، مشيرًا إلى أن بعض المناطق دخلت المرحلة الثانية من المجاعة. أما “الأونروا”، فكشفت أن 5500 طفل يعانون من سوء تغذية حاد شديد، و800 منهم في مراحل خطيرة.
وزارة الصحة حذّرت بدورها من أن 40 ألف طفل معرضون لخطر الموت بسبب نقص الغذاء وانعدام الحليب.
مستشفيات بلا إمكانات
في مجمع ناصر الطبي، يؤكد د. أحمد الفرا أن الوضع “كارثي”، إذ تفتقر المستشفيات للأدوية والمكملات اللازمة، بينما يُمنع دخول المغذيات من معابر القطاع.
وأوضح أن معظم الأطفال الذين توفوا بسبب سوء التغذية، كانوا بحاجة فقط إلى غذاء بسيط غير متوفر بسبب الحصار.
تقرير أممي: المجاعة قائمة فعلياً
تقرير مشترك لعدد من وكالات الأمم المتحدة وصف الوضع في غزة بأسوأ سيناريو للمجاعة، محذراً من أن إسقاط المساعدات من الجو لا يكفي، وأن المعابر البرية تظل الخيار الأسرع والأكثر فاعلية.
المجاعة لم تعد تحذيراً مستقبلياً، بل واقعًا مميتًا يتغذى على أجساد الأطفال… والعالم، في غالبه، صامت.