رغم الاعتقاد السائد بأن المضادات الحيوية تقتل البكتيريا، كشفت دراسة حديثة من جامعة روتجرز الأمريكية عن نتيجة صادمة: بعض هذه الأدوية، ومنها السيبروفلوكساسين، يمكن أن تعزز بقاء البكتيريا وتُسرّع من تطورها ومقاومتها.
بحسب ما نشرته مجلة Nature Communications، يتسبب السيبروفلوكساسين، وهو من أكثر الأدوية استخدامًا لعلاج التهابات المسالك البولية، في اختلال توازن الطاقة داخل خلايا بكتيريا الإشريكية القولونية. هذا الخلل يؤدي إلى انخفاض حاد في مستوى الوقود الجزيئي داخل الخلية، ما يُطلق استجابة إجهادية تنشط التنفس البكتيري وتُنتج أنواعًا نشطة من الأكسجين.
بدلًا من القضاء على البكتيريا، تدخل بعض الخلايا في حالة سبات مؤقتة، فتبقى على قيد الحياة متجنبة تأثير المضاد الحيوي، لتعاود نشاطها لاحقًا وتتسبب في التهابات متكررة.
التجارب أظهرت أن هذه الخلايا تحت الضغط تعيش بمعدل يفوق الطبيعي بعشر مرات، وتتحور بشكل أسرع، مكتسبة مقاومة ضد الدواء خلال جولات قليلة من التعرض له. ويُعزى ذلك إلى تلف الحمض النووي الناتج عن الإجهاد الأكسجيني، حيث تؤدي الأخطاء أثناء إصلاحه إلى طفرات جينية.
ولم يقتصر هذا التأثير على السيبروفلوكساسين فحسب، بل لوحظ أيضًا مع مضادات حيوية أخرى مثل الأمبيسلين والغنتاميسين، بل وحتى مع بكتيريا المتفطرة السلية المسببة لمرض السل.
وتشير تقديرات عالمية إلى أن مقاومة المضادات الحيوية تتسبب في 1.27 مليون وفاة سنويًا. وتشدد هذه النتائج الجديدة على أهمية مراعاة التأثيرات الأيضية للمضادات الحيوية عند استخدامها.
ويوصي الباحثون بثلاثة حلول للمحافظة على فعالية العلاجات:
- اختبار الأدوية لرصد الآثار الجانبية المرتبطة بالطاقة داخل الخلية.
- استخدام مثبطات الاستجابة للإجهاد للحد من قدرة البكتيريا على النجاة.
- تجنب الجرعات العالية جدًا، التي قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتعزز مقاومة البكتيريا.
إنها مفارقة طبية تدق ناقوس الخطر حول كيفية استخدام المضادات الحيوية، وتفتح المجال أمام تطوير استراتيجيات أكثر دقة لمحاربة العدوى دون منح البكتيريا فرصة للتكيف والنجاة.