منى

يُعد مشعر منى من أبرز المشاعر المقدسة المرتبطة مباشرةً بمناسك الحج، ويحتل مكانة راسخة في وجدان المسلمين لما يحمله من رمزية روحية وتاريخية، تمتد جذورها إلى زمن النبي إبراهيم عليه السلام، وتستمر حيةً في قلوب الحجيج حتى يومنا هذا.

يقع منى بين مكة المكرمة ومزدلفة، على بُعد نحو 7 كيلومترات من المسجد الحرام، وهو وادٍ تحيط به الجبال ويغمره الإيمان في أيام الحج، حيث يقضي فيه الحجاج ليالي التشريق ويؤدون شعائر رمي الجمرات، والنحر، والحلق أو التقصير.

تنبض هوية منى بجغرافيا فريدة تُجسّدها شعائر الحجاج، حيث تنتشر الخيام البيضاء المصممة وفق معايير السلامة والراحة، والتي باتت رمزاً لمنظومة الحج الحديثة. تضم منى أكثر من 100 ألف خيمة ثابتة مقاومة للحرارة والاشتعال، مكيّفة بالكامل، وتغطي مساحة تقارب 2.5 مليون متر مربع، لتتحول المنطقة إلى مدينة مؤقتة متكاملة بالخدمات الصحية والأمنية واللوجستية.

ومن أبرز معالم المشعر، جسر الجمرات، الذي أُنشئ لتيسير شعيرة الرمي وتقليل التزاحم، بطول 950 متراً وعرض 80 متراً، ويستوعب أكثر من 300 ألف حاج في الساعة عبر طوابق متعددة. يتميز الجسر بوسائل ذكية لإدارة الحشود، تشمل مداخل متعددة، سلالم كهربائية، ممرات للطوارئ، ونظام تبريد يعتمد على الرذاذ المائي. كما يضم مرافق خدمية كالعيادات ونقاط الدفاع المدني ومناطق مظللة للراحة.

ويُعد مسجد الخيف من أبرز المعالم في منى، إذ صلى فيه النبي محمد ﷺ، وقد أولته وزارة الشؤون الإسلامية عناية خاصة. تبلغ مساحته 23,500 متر مربع، ويتسع لأكثر من 27,000 مصلٍ، ويضم 4 مآذن و15 باباً رئيساً وطوارئ.

تاريخياً، احتل مشعر منى مكانة مركزية في عناية المسلمين منذ صدر الإسلام، حيث حافظ الخلفاء وولاة المسلمين على قدسيته، وتوالت عليه الأجيال بحفاوة وتوقير. ومع تولي المملكة العربية السعودية رعايته، شهد نقلة نوعية في البنية التحتية والخدمات، ضمن رؤية متكاملة لرفع جودة تجربة الحاج وتوفير أقصى درجات الراحة والأمان.

منى ليس مجرد موقع جغرافي، بل ميدان للطاعة والتضحية، يتردد فيه صدى التكبير والدعاء، وتعلو فيه القلوب بالإيمان، حيث تقف الإنسانية على عتبات السكينة في مشهد لا يتكرر إلا في أعظم أيام الله.

البحث