في الأول من سبتمبر عام 1985، وبعد مرور 73 عاماً على غرقها، تم اكتشاف حطام سفينة “تيتانيك” في أعماق شمال المحيط الأطلسي. كان هذا الاكتشاف نقطة تحول في حياة امرأة تُدعى إليزابيث غلاديس ميلفينا دين، التي ارتبط اسمها بمأساة “تيتانيك”، رغم أنها لم تتذكر منها شيئًا.
كانت ميلفينا أصغر راكبة على متن السفينة المنكوبة، إذ لم تكن قد بلغت سوى شهرين ونصف عندما وقعت الكارثة في أبريل 1912، والتي أودت بحياة أكثر من 1500 شخص من أصل نحو 2200 كانوا على متن السفينة. وبقيت ميلفينا، الناجية الصغيرة، لاحقًا آخر من تبقى على قيد الحياة من بين الناجين.
قدرٌ كُتب بسبب إضراب
كان والدا ميلفينا يديران نزلاً في لندن وقررا الهجرة إلى ولاية كانساس الأمريكية. باعا كل ما يملكانه، واشتريا تذاكر لسفينة أخرى، لكن إضرابًا لعمال مناجم الفحم في بريطانيا أجبر السلطات على نقل الفحم المتوفر إلى “تيتانيك”، ليجد أفراد العائلة أنفسهم في النهاية على متن السفينة “التي لا تغرق”، ضمن الدرجة الثالثة.
الهروب من الموت.. وكيس بريد!
في ليلة الاصطدام بالجبل الجليدي، شعر والد ميلفينا بالخطر، فهرع بزوجته وأطفاله إلى سطح السفينة. وتم إنزال الطفلة الصغيرة إلى قارب النجاة رقم 10 داخل كيس بريد، تبعها والدتها، فيما فُقد شقيقها مؤقتًا وسط الفوضى، قبل أن يُعثر عليه لاحقًا في قارب نجاة آخر.
أما الأب، فقد بقي على السفينة ولم يُعثر على جثته بعد الحادث. أنقذت سفينة “كارباثيا” ميلفينا ووالدتها وشقيقها، ونقلتهم إلى نيويورك. وهناك قررت الأم العودة إلى بريطانيا، بعد أن فقدت الأسرة كل شيء.
من الطفولة إلى الأضواء
تلقت ميلفينا تعليمها بفضل “صندوق إغاثة تيتانيك”، لكنها لم تدرك علاقتها بالكارثة إلا في سن الثامنة، حين تزوجت والدتها مجددًا. أصبحت معروفة كأصغر ناجية، وتحوّل اسمها لاحقًا إلى رمز من رموز تلك الفاجعة.
ورغم شهرتها المتأخرة، عاشت ميلفينا حياة هادئة. لم تتزوج قط، وعملت رسامة خرائط في الحرب العالمية الثانية، ثم موظفة في شركة هندسية حتى تقاعدها عام 1972.
حين عاد كل شيء للواجهة
مع اكتشاف حطام السفينة عام 1985، عادت “تيتانيك” إلى حياتها من جديد. شاركت ميلفينا في مؤتمرات عالمية وأفلام وثائقية، وسافرت مع شقيقها إلى نيويورك لحضور فعاليات commemorative commemorations. وبعد وفاة شقيقها عام 1992، أصبحت الشخص الوحيد الحي من بين ركاب “تيتانيك”.
وفي عام 2009، توفيت ميلفينا دين عن عمر 97 عامًا إثر إصابتها بالتهاب رئوي، وتم نثر رمادها في ميناء ساوثهامبتون، حيث بدأت رحلة “تيتانيك” المنكوبة.
السؤال الذي لم يُجب عليه
قالت ميلفينا ذات مرة:
“لقد غيرت تيتانيك حياتي، لأنني كنت سأصبح أمريكية، لا إنجليزية”.
ويبقى السؤال المفتوح: ماذا لو لم يُضرب عمّال مناجم الفحم؟
هل كانت ستنجو ميلفينا؟ وهل كنا سنعرف قصتها؟