الذكاء الاصطناعي

شهدت العقود الماضية تطورًا ملحوظًا في تقنية الربط بين المخ البشري والأجهزة الإلكترونية، والتي تهدف في المقام الأول لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقات على التحكم في الأطراف الصناعية، أو أجهزة الكمبيوتر المتخصصة، أو أجهزة توليد الصوت للمتحدثين الذين فقدوا القدرة على النطق. تُعرف هذه التقنية باسم واجهة الدماغ والحاسوب (Brain-Computer Interface)، وتعتمد على أجهزة خارجية متصلة بالدماغ أو شرائح إلكترونية مثبتة على القشرة الحركية لقراءة الإشارات العصبية وتحويلها إلى أوامر للأجهزة الإلكترونية.

أظهرت الدراسات أن نطاق هذه التقنية أحيانًا يتجاوز الهدف الأساسي، إذ يمكنها قراءة بعض الأفكار اللاواعية للمستخدم. ويشير طبيب الأعصاب ريتشارد أندرسون من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا إلى أن “تثبيت أجهزة واجهة الدماغ والحاسوب على الفص الجداري يسمح باستقبال إشارات عصبية من مناطق متعددة في الدماغ، ما يوفر كمية كبيرة من البيانات التي يمكن تحليلها”.

تثير قدرة هذه الأجهزة على الوصول إلى الأفكار الداخلية مخاوف أخلاقية تتعلق بكيفية التعامل مع البيانات، خصوصًا عند دمجها مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي يمكن أن تعزز من قدرة الأجهزة على تحليل وفك شفرات الإشارات العصبية. ويشير توم أوكسلي، المدير التنفيذي لشركة “سينكرون”، إلى أن هذه التكنولوجيا تعد “المستقبل”، وأن استخدام الذكاء الاصطناعي سيستمر في تحسين تحليل هذه البيانات لخدمة المستخدم، ما يطرح تساؤلات حول كيفية ضمان أمانها.

تتوفر حاليًا منتجات استهلاكية تقيس الإشارات العصبية عبر أجهزة على شكل سوار معصم، سماعات أذن، أو خوذات مزودة بأقطاب كهربائية. ورغم عدم قدرتها على فك شفرات الأفكار، فإنها تقيس مؤشرات مثل الانتباه، الإرهاق، والتوتر، ما يساعد على تحسين الأداء الرياضي، التأمل، وزيادة الإنتاجية.

ويشير خبير أخلاقيات العلوم العصبية مارسيلو إينكا إلى أن الذكاء الاصطناعي مستقبليًا قد يسمح بفهم أعمق للأنشطة العقلية، إذ يمكن لتقنيات تحليل المخططات الكهربائية دماغيًا كشف استجابات الانتباه واتخاذ القرار تجاه المحفزات المختلفة. ومع ذلك، يلفت إينكا إلى أن معظم الأجهزة الحالية لا توفر حماية كافية لتبادل البيانات ولا تطبيقات متقدمة لضمان الخصوصية، وهو وضع لم يتغير كثيرًا حتى الآن.

وفي عام 2024، أظهرت دراسة لمنظمة “نيورو رايتس” أن الغالبية العظمى من الشركات العاملة في الأجهزة الاستهلاكية للتحليل العصبي تتحكم بشكل كامل في البيانات، ما يتيح لها بيعها أو استخدامها كيفما تشاء. ورغم إصدار بعض الدول مثل شيلي وقوانين في أربع ولايات أميركية لحماية هذه البيانات، إلا أن الخبراء يرون أن هذه التشريعات غير كافية، إذ تركز على البيانات الخام وليس على التحليلات المستخلصة التي قد تُستخدم للتمييز أو الابتزاز.

ويحذر إينكا من أن الاقتصاد القائم على البيانات العصبية يشكل تهديدًا للخصوصية والحرية المعرفية، likening إتاحتها للطرف الثالث إلى “إعطاء منشطات لاقتصاد البيانات القائم بالفعل”.

البحث