منذ إطلاق أداة “تشات جي بي تي” في 2023، بدأت العديد من المؤسسات في تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي بمختلف درجاته، لكن دراسة جديدة من كلية الإدارة الأوروبية (ESMT) في برلين تحذر من أن الإفراط في الاعتماد على هذه الأدوات قد يؤدي إلى تراجع القدرات البشرية في اتخاذ القرارات.
ديناميكيات الإفراط في استخدام الذكاء الاصطناعي
تشير الدراسة إلى أن بعض العوامل التنظيمية داخل الشركات تساهم في الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، خاصة في بيئات العمل التي تتميز بتفويض إداري واسع. ويُلاحظ أن الموظفين يتعرضون للعقاب في كثير من الأحيان إذا تجاهلوا توصيات الذكاء الاصطناعي، خصوصًا عندما يخطئون في اتخاذ قرارات غير موفقة. هذا يشجع الموظفين على محاكاة توصيات الذكاء الاصطناعي بشكل مفرط، حتى وإن كان لديهم حُكمًا شخصيًا أو معرفة ضمنية تختلف عن توصيات النظام. وعلى المدى الطويل، يؤدي هذا إلى قرارات دون المستوى المطلوب.
كيف يمكن تحسين هذا الواقع؟
لتجنب تداعيات الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، تقترح الدراسة أن تعيد المؤسسات النظر في كيفية اتخاذ القرارات ومتابعتها. الحل يكمن في تمكين المديرين من تقييم منطق القرارات التي تخالف توصيات الذكاء الاصطناعي، خصوصًا إذا كانت مدعومة بمعرفة بشرية صعبة النمذجة. كما يجب إصلاح نظم الحوافز داخل المؤسسات بحيث لا يُعاقب الموظفون على استخدام حكمهم الشخصي، بل يتم ربط المكافآت بجودة القرار بدلاً من مجرد نتائجه.
العامل البشري والتدريب الإداري
تسلّط الدراسة الضوء على ضرورة تدريب المديرين على اكتشاف التحيّزات التي قد تدفعهم لتفضيل قرارات الذكاء الاصطناعي على القرارات البشرية. في كثير من الحالات، يكون تفضيل الذكاء الاصطناعي نتيجة غير واعية لتفادي المسؤولية أو اللوم. لذلك، من الضروري أن يكون المديرون على دراية بحدود الذكاء الاصطناعي وقيمة الحكم البشري في الحالات المعقدة أو الغامضة.
نحو شراكة فعّالة بين الإنسان والآلة
الهدف النهائي، وفقًا للدراسة، هو بناء بيئات تنظيمية تدعم التكامل الفعّال بين الإنسان والآلة. ينبغي أن يتمكن الموظفون من استخدام خبراتهم ومعرفتهم الدقيقة لتعديل توصيات الذكاء الاصطناعي عندما يكون ذلك ضروريًا. لذا، يجب أن يُعتبر الذكاء الاصطناعي أداة تعزز من قدرات الموظفين، لا أن يحل محلهم. السيناريو الأسوأ هو حين تتحول هذه الأدوات من وسائل دعم إلى قيود تُفقد الإنسان سلطته ودوره الفعّال.
تؤكد الدراسة على أهمية النظر إلى الذكاء الاصطناعي ليس فقط من زاوية تقنيته، بل أيضًا من خلال العوامل السلوكية والتنظيمية التي تؤثر في كيفية استخدامه. الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى إضعاف المهارات البشرية وتقليص دور الخبراء في الفرق العاملة. لذلك، فإن إيجاد توازن حقيقي بين القدرات البشرية والتكنولوجية يعد ضرورة ملحة في العصر الحديث.