قبل أكثر من قرن ونصف، كان ارتداء النساء للبناطيل يُعدّ مخالفة صريحة للنظام الاجتماعي، بل قد يُعرض صاحباتها للاستهجان أو الاعتقال. ففي باريس القرن التاسع عشر، كان ظهور امرأة في الشارع مرتدية البنطال يُقابل بنظرات الاستهجان وربما تدخل الشرطة.
يرجع أصل هذا الحظر إلى عام 1799 بعد الثورة الفرنسية، حيث أصدر قانون يمنع النساء من ارتداء ملابس الرجال، ويلزم الراغبات في خرقه بالحصول على تصريح رسمي من الشرطة، مع تقديم مبرر طبي أو مهني. ورغم القيود، حصلت بعض النساء البارزات، مثل رسامة الحيوانات روزا بونور وعالمة الآثار جين ديولافوا، على هذه التصاريح.
من أبرز النساء اللواتي تحدين الحظر الكاتبة الشهيرة جورج ساند، التي اعتادت ارتداء ملابس رجالية، وقالت حين سُئلت عن السبب: “أنا فقيرة جدًا ولا أستطيع شراء الفساتين”، مؤكدة رغبتها في حرية الحركة والانعتاق من قيود الملابس التقليدية.
شهدت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بعض التخفيفات، حيث سُمِح للنساء بارتداء السراويل في سياقات محددة مثل ركوب الدراجات أو ركوب الخيل، إلا أن المنع القانوني استمر حتى الثمانينيات، حين سُمح لعضوات البرلمان الفرنسي بارتداء البنطال خلال الجلسات.
خلف هذا الحظر كانت حجج متعددة: اقتصادية خشية منافسة النساء في سوق العمل، سياسية باعتباره خروجًا عن الأدوار التقليدية، وأخلاقية بدعوى أن البنطال يكشف الجسم ويخالف الآداب. ومع ذلك، دعم الأطباء النساء محذرين من أضرار الفساتين الضيقة والمشدات، ما ساعد تدريجيًا على تغيير النظرة الاجتماعية.
شكلت الحرب العالمية الأولى نقطة تحول، إذ اضطرت النساء لارتداء البناطيل أثناء العمل في المصانع، ومع منتصف القرن العشرين أصبح البنطال شائعًا في خزائن النساء، لكن القانون لم يُلغَ رسميًا إلا في 1 فبراير 2013، على يد وزيرة حقوق المرأة الفرنسية نجاة فالو بلقاسم، مؤكدة أن قانون 1800 يتعارض مع مبادئ المساواة بين الجنسين.
ويُذكر أن ارتداء النساء للبناطيل لم يبدأ بالغرب فقط، إذ كانت النساء في الثقافات الشرقية يرتدين سراويل واسعة منذ العصور القديمة، وقد ساعدت الرحالة ماري مونتاغيو في القرن الثامن عشر على نقل هذه الموضة إلى لندن، رغم أنها لم تنتشر سريعًا آنذاك.
اليوم، أصبح ارتداء البنطال للنساء أمرًا مألوفًا، بعد رحلة طويلة دامت قرونًا، لتذكرنا بأن الحريات التي نعتبرها بديهية كانت يومًا ما محل صراع مستمر.