في لحظة مفصلية من تاريخها، تعيش شركة “أبل” واحدة من أكبر الأزمات الإدارية منذ وفاة مؤسسها ستيف جوبز، وسط ترقب عالمي لخطواتها المقبلة في مجال الذكاء الاصطناعي. فبينما يواصل تيم كوك قيادة الشركة بثبات، بدأت تظهر مؤشرات “شيخوخة تنظيمية” على هيكلها التنفيذي، تثير تساؤلات حول قدرتها على التجدد.
ورغم أن كوك سيبلغ عامه الـ65 في تشرين الثاني المقبل، لا توجد مؤشرات على رغبته في التنحي. بل إن مجلس الإدارة، الذي يضم شخصيات موالية له، لا يرى حاجة للتغيير في الوقت الراهن، خاصة بعد أن ضاعف كوك القيمة السوقية للشركة بنسبة 1500% منذ توليه القيادة في 2011، ووسّع نطاق أعمالها إلى مجالات مثل الاشتراكات والخدمات.
انتقادات وتراجع في الابتكار
لكن هذا الاستقرار الظاهري لا يخفي حقيقة أن “أبل” تواجه انتقادات متزايدة بشأن تأخرها في سباق الذكاء الاصطناعي، وتراجع الابتكار، وتآكل ثقافة التصميم التي كانت تميزها لعقود. كما تصاعد التوتر بينها وبين المطورين والجهات التنظيمية في عدد من الأسواق.
وقد وجّه إيدي كيو، رئيس قسم الخدمات، تحذيرات داخلية وعلنية من خطر تحوّل أبل إلى “بلاك بيري” أو “نوكيا” إذا لم تتأقلم بسرعة مع التحولات التقنية.
أزمة خلافة بلا وريث واضح
أزمة القيادة تعمقت مع إعلان جيف ويليامز، كبير مسؤولي العمليات وأقرب مستشاري كوك، تقاعده مع نهاية العام، ما كشف عن فراغ خطير في صفوف القيادة. ومع أن سبيه خان سيخلفه في المنصب، إلا أن خبرته لا تضاهي خبرة ويليامز، خاصة في مجالات التصميم والتقنيات الصحية.
وفي حال حدوث طارئ، من المتوقع أن تتولى لجنة إدارية قيادة الشركة، تضم كلاً من خان، والمدير المالي الجديد كيفان باريخ، والمخضرمة ديدري أوبراين. لكن على المدى الطويل، يُنظر إلى جون تيرنوس، رئيس قسم الأجهزة، كأوفر المرشحين حظاً لخلافة كوك، رغم افتقاره للخبرة التشغيلية والمالية.
إعادة هيكلة واسعة وتفكيك فرق
رحيل ويليامز فتح الباب لتغييرات تنظيمية كبيرة داخل الشركة، شملت:
- تفكيك فريق “Vision Pro” وإعادة توزيع أعضائه بين أقسام البرمجيات والأجهزة.
- نقل فرق “سيري” والروبوتات ضمن عملية إعادة تنظيم واسعة.
- وضع فرق التصميم تحت قيادة مشتركة لـ آلان داي ومولي أندرسون، بتقارير مباشرة إلى كوك.
- نقل تطوير “Apple Watch” والتقنيات الصحية إلى كريغ فيدريغي.
- ضم خدمة “Fitness+” إلى قسم الخدمات بقيادة إيدي كيو.
- نقل “AppleCare” إلى إدارة خان.
- استمرار تقارير “مجموعة الصين الكبرى” بشكل مزدوج إلى كوك وخان.
هل تجرؤ أبل على كسر النمط؟
أمام هذه التحديات، تبدو أبل مطالَبة باتخاذ خطوات جريئة. ومن بين السيناريوهات المطروحة: الاستحواذ على شركة رائدة في الذكاء الاصطناعي، ليس فقط لتعزيز قدراتها التقنية، بل ربما لاختيار قائد جديد من خارج المنظومة.
وقد أجرت الشركة تجارب أولية مع “بيربلكسيتي”، وتدرس بجدية الاستحواذ على شركة “ميسترال”، في ظل الصعوبات التي يواجهها فريق نماذج الذكاء الاصطناعي الداخلي. لكن هذا التوجه يصطدم بتاريخ “أبل” المحافظ في صفقات الاستحواذ، إذ لم تتجاوز أي صفقة لها سقف 3 مليارات دولار حتى الآن.
في المحصلة، تجد أبل نفسها عند مفترق حاسم: إما التجدد والابتكار، أو الدخول في مرحلة من الجمود قد تهدد مكانتها كأكبر شركة تقنية في العالم.