بعد مرور ما يقارب الشهر على سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في 26 أكتوبر، آخر معاقل القوات المسلحة السودانية في دارفور، لا يزال الوضع الإنساني في شمال الإقليم شديد الخطورة، وفق ما أكدت منظمة “أطباء بلا حدود” في بيان جديد.
ودعت المنظمة قوات الدعم السريع وحلفاءها إلى تأمين ممرات آمنة وعاجلة للمدنيين والجرحى للوصول إلى مناطق أكثر أمناً، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قرني والفاشر والمناطق التي تضم ناجين. كما طالبت الجهات المانحة والفاعلين الإنسانيين بتعزيز استجابتهم للاحتياجات المتزايدة في مجالات الصحة والحماية والغذاء والمياه والصرف الصحي، في ظل افتقار مخيم طويلة لأبسط مقومات الحياة.
روايات الناجين وفظائع النزاع
يروي الناجون، بمرارة شديدة، شهادات مرعبة عن عمليات قتل جماعي وتعذيب واختطاف مقابل فدية، فيما لا يزال آخرون مفقودين أو عاجزين عن الهرب.
وقالت الدكتورة منى حنبلي، قائدة الفريق الطبي في مستشفى طويلة، إن المستشفى بدأ قبل سقوط الفاشر بأسبوع في استقبال موجات من النساء والأطفال المنهكين الذين يعانون سوء التغذية والجفاف، قبل أن تصل لاحقاً أعداد من الرجال المصابين بجروح بالغة بطلقات نارية وجروح ملوثة.
ورغم محاولات المنظمة تحديد مواقع الناجين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية، فإنها لم تنجح حتى الآن في الوصول إلى مدينة الفاشر نفسها. وتشير فرقها، بعد زيارات ميدانية لعدد من مناطق شمال دارفور، إلى غياب حركة نزوح جماعية خلال الأسابيع الماضية.
كما تؤكد المعلومات المستندة إلى شهادات ناجين وتحليلات صور أقمار صناعية من “مختبر الأبحاث الإنسانية” في جامعة ييل، أن عدداً كبيراً من المدنيين الذين كانوا داخل الفاشر قبل سقوطها إما قُتلوا أو ماتوا أو احتُجزوا أو حوصروا، ما جعل وصول المساعدات إليهم شبه مستحيل.
أوضاع مأساوية في مخيمات طويلة
في مخيمات طويلة حيث يتجمع آلاف النازحين، يعيش السكان في ظروف قاسية وخطرة. وتشير تقديرات “أطباء بلا حدود” إلى أن معدل توزيع مياه الشرب لا يتجاوز 1.5 لتر للفرد يومياً، أي أقل بكثير من الحد الأدنى الإنساني البالغ 15 لتراً. كما يعاني 74% من النازحين في طويلة من غياب البنية التحتية، بينما يحصل أقل من 10% من الأسر على مياه أو مرافق صحية منتظمة، ما يرفع مخاطر تفشي أوبئة مثل الكوليرا.
ومع اقتراب فصل الشتاء، تتزايد مخاوف العائلات من نقص الملابس والبطانيات.
شهادات مروّعة
وتتوالى روايات الناجين الذين ساروا لعدة أيام سيراً على الأقدام هرباً من القصف وإطلاق النار، وتعرّض بعضهم للتعذيب والاختطاف والعنف الجنسي، في حين شهد آخرون عمليات قتل ذات طابع عرقي. وذكر عدد من الجرحى أنهم مرّوا باعتقالات جماعية، حيث تم فصل الرجال والشباب عن النساء والأطفال في مناطق مثل قرني شمال غرب الفاشر.
ويقدّر أن نحو 10 آلاف شخص فقط تمكنوا من الفرار إلى طويلة، وفق المجلس النرويجي للاجئين، وهو رقم ضئيل مقارنة بـ260 ألف مدني كانوا ما يزالون داخل الفاشر حتى أواخر أغسطس بحسب الأمم المتحدة.