“كلّ يوم جريمة!”… هكذا يعبّر التونسيون عن واقع بات مألوفًا ومقلقًا في آن، في ظل تنامي جرائم القتل العمد بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة. من خلافات بسيطة إلى تصفية حسابات دموية، ومن العنف الأسري إلى الجرائم في الأوساط الشبابية، تحوّلت الجريمة إلى ظاهرة يومية تخترق كل الفئات والمناطق
فقد أضحت حوادث القتل لا تفرّق بين مدينة وريف، ولا بين رجل وامرأة، أو كبير وصغير، إذ تسجّل البلاد بشكل متكرر جرائم مروّعة، ذهب ضحيتها نساء قُتلن على يد أزواجهن، وأطفال لقوا حتفهم على أيدي أقاربهم، وأصدقاء انتهت خلافاتهم إلى مأساة، بأساليب تتنوع في التفاصيل وتتقاطع في البشاعة.
وبحسب بيانات غير رسمية، بلغ معدل جرائم القتل العمد في تونس خلال العام الجاري 1.92 لكل 100 ألف ساكن، ما يُعد مؤشراً على تصاعد العنف مقارنة بالعام 2024، ويعكس حالة من الانفلات المجتمعي المقلقة.
جرائم تهز الرأي العام
ومن أبرز الحوادث الأخيرة، جريمة قتل شاب على يد صديقه في بلدة بئر الحفي بمحافظة سيدي بوزيد، إثر طعنة بآلة حادة بعد شجار بينهما. وقبلها بيومين فقط، طُعنت طالبة جامعية حتى الموت على يد شريكتها في السكن بمحافظة قابس. وفي محافظة توزر، أشعل زوج النار في جسد زوجته حتى الموت، بينما شهدت محافظة منوبة جريمة مشابهة حيث قتل رجل زوجته وأصاب ابنتها خلال خلاف عائلي.
قراءة اجتماعية: من الجريمة إلى ثقافة العنف
في تفسيره لتفاقم هذه الظاهرة، أكد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، سامي بن ناصر، في تصريح لـ”العربية.نت”، أن المجتمع التونسي دخل مرحلة جديدة وصفها بـ”ثقافة العنف”، مشيرًا إلى أن انتشار الجريمة يعود إلى تفكك ما أسماه بـ”الوسائل الدفاعية الاجتماعية” منذ الثورة.
وأوضح بن ناصر أن العنف تسلّل إلى مختلف مؤسسات المجتمع، بما في ذلك الأسرة، الشارع، أماكن العمل، المدارس، الملاعب وحتى دور العبادة. كما أشار إلى “تطبيع” المجتمع مع الجريمة، في ظل غياب الردع القانوني والاستنكار المجتمعي، بل وأحيانًا تبرير أو شرعنة العنف.
وأضاف أن أحد أبرز أسباب تصاعد العنف يعود إلى ترسّخ “اللغة العنيفة” في الحياة اليومية، سواء في الأغاني الشعبية أو وسائل الإعلام أو حتى في النقاشات العائلية.
دعوة عاجلة للتحرك
وحذّر بن ناصر من أن استمرار هذا الوضع دون تدخل حازم قد يؤدي إلى أزمة اجتماعية عميقة، داعيًا إلى تحرك فعلي بعيدًا عن الشعارات، ووضع استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة العنف والجريمة، وتحقيق الردع القانوني والاجتماعي.
وأشار أيضًا إلى مسؤولية السلطات المتعاقبة، متهماً إياها بالتقاعس في التعامل مع هذه الظاهرة، وهو ما أدى إلى ما وصفه بـ”الانفجار العنيف” الذي تشهده البلاد اليوم.
مؤشرات دولية مقلقة
يُذكر أن تونس احتلت المركز العاشر عربياً والـ53 عالميًا في مؤشر الجريمة لعام 2024، وفقًا لقاعدة بيانات “نامبيو”، بنسبة 47.6 جريمة لكل 100 ألف نسمة، ما يعني أن معدل جرائم القتل في البلاد تضاعف أربع مرات خلال السنوات الخمس الماضية.