ارتبطت حياة عدد من كبار الرسامين في التاريخ بمعاناة نفسية عميقة، تحوّلت إلى مصدر لإبداعهم وألمهم معًا. ويُعد الرسام الهولندي فنسنت فان غوخ من أبرز الأمثلة، إذ دخل مصحات عقلية عدة مرات، وقطع أذنه، وقيل إنه تناول مواد كيميائية وأجزاء من لوحاته قبل أن يطلق النار على نفسه ويفارق الحياة.
وفي السياق ذاته، يبرز اسم النرويجي إدوارد مونش، صاحب لوحة “الصرخة”، التي أصبحت رمزًا عالميًا للقلق والخوف، وبيعت بأكثر من 100 مليون دولار. عاش مونش طفولة مأساوية، فقد فيها والدته وشقيقته بمرض السل، وشهد معاناة شقيقته الأخرى مع الفصام، ثم فقد والده لاحقًا، مما ترك أثرًا بالغًا في نفسيته.
عانى مونش طوال حياته من اضطرابات نفسية شديدة، بينها الاكتئاب ونوبات الهلع والهلوسات، ورفض العلاج لفترة طويلة، قبل أن يدخل مصحة نفسية عام 1908 بعد انهيار عصبي. انعكست هذه المعاناة بوضوح في أعماله، التي تجاوز عددها 1700 لوحة، أبرزها: الصرخة، مادونا، الطفل المريض.
رفض مونش بيع العديد من لوحاته، واعتبرها “أطفاله”، وعاش في عزلة، يتحدث إلى أعماله ويخشى من مراقبة الآخرين له. وفي حادثة غريبة، أصيب بيده اليسرى بطلق ناري أثناء خلاف مع عشيقته، ما أثّر على قدرته على الرسم لاحقًا.
مع صعود النازية في الثلاثينيات، وُصفت أعماله بـ”الفنون المنحطة”، وتمت إزالتها من المتاحف الألمانية. وبعد اجتياح ألمانيا للنرويج عام 1940، أخفى مونش لوحاته لحمايتها، وظل معزولًا حتى وفاته عام 1944.