كان الإمبراطور الروماني المقدس فريدريك الثاني (1194-1250) واحداً من أكثر الحكام إثارة للجدل في أوروبا الوسيطة، وُصف بـ”دهشة العالم” لشغفه بالعلم والفلسفة، وإتقانه لغات عدة بينها العربية. إلا أن فضوله العلمي دفعه إلى تجاربٍ صادمة تجاوزت حدود الأخلاق والإنسانية.
فريدريك، الذي حكم إمبراطورية شاسعة ضمّت إيطاليا وأجزاء واسعة من ألمانيا، عرف عنه افتتانه بالمعرفة والبحث التجريبي. فتح بلاطه للعلماء العرب واليهود واليونانيين، واهتم بعلم الأحياء والصيد بالصقور. لكنّ هوسه بفهم “اللغة الأولى” – لغة آدم كما كان يعتقد – قاده إلى تجربة قاسية على الأطفال الرُضع.
بحسب الراهب والمؤرخ ساليمبين دي آدم، أمر الإمبراطور بعزل مجموعة من الأطفال حديثي الولادة عن أي تواصل لغوي أو عاطفي، حيث كُلّفت المربيات بإطعامهم فقط من دون التحدث إليهم أو لمسهم أو حتى النظر إليهم بودّ. كان الهدف معرفة اللغة التي سينطق بها الإنسان إذا لم يتأثر بالمحيط.
النتيجة كانت مأساوية: مات جميع الأطفال. كتب الراهب: “لا يستطيع الأطفال العيش من دون التصفيق والإيماءات وسرور الوجه”، في إشارة إلى حاجة الإنسان الفطرية إلى المودة والتفاعل. ويعتبر العلماء المعاصرون أن هؤلاء الرضع توفوا نتيجة الحرمان الحسي والعاطفي، الذي يؤدي إلى انهيار جسدي ونفسي قاتل.
ورغم التشكيك في دقة هذه الرواية بسبب عداء الكنيسة لفريدريك الثاني، فإنها ما تزال تُروى كتحذير من تجارب العلم غير الأخلاقية. المؤرخون ذكروا أيضاً قصصاً أكثر قسوة نسبت إليه، منها مراقبته موت سجين داخل برميل عبر ثقب صغير، لمعرفة ما إذا كانت الروح تُرى عند مغادرتها الجسد.
سواء كانت تلك الحكايات دقيقة أم لا، فإنها تكشف الوجه المظلم لفضول الإنسان حين يتجاوز حدوده. تجربة فريدريك الثاني تبقى درساً قاسياً عن الثمن الفادح الذي يدفعه البشر عندما يُختزل العلم إلى تجربة خالية من الرحمة.
فالمعرفة، كما تُذكّرنا هذه القصة، لا تنفصل عن الأخلاق، والحنان ليس ترفاً بشرياً، بل شرطاً أساسياً للحياة.