من قلب صحراء أريزونا في مدينة فينيكس، حيث انعقدت فعاليات «رحلة إنتل التقنية 2025» (Intel Technology Tour 2025)، كانت الرسالة واضحة وجلية: «إنتل» لا تكتفي بتطوير معالجاتها فقط، بل تعيد رسم مستقبل الحوسبة من جذوره.
شهد هذا الحدث الحصري، الذي شاركت فيه «الشرق الأوسط» كوسيلة الإعلام الوحيدة من المنطقة، كشفًا عن تحولات جوهرية تتجاوز الابتكار التقني، إذ تعكس تغييرات بنيوية في إدارة الذكاء الاصطناعي عالمياً خلال العقد المقبل.
تحوّل تاريخي في صناعة أشباه الموصلات
في الجلسة الافتتاحية، أعلن جيمس جونسون، نائب الرئيس الأول في «إنتل» والمدير العام لمجموعة الحوسبة الموجّهة للعملاء، أن الشركة وصلت إلى لحظة مفصلية بإطلاق تقنية «باور فيا» (PowerVia)، التي تنقل توصيل الطاقة إلى الجانب الخلفي من الرقاقة لأول مرة في تاريخ الصناعة. وصف جونسون هذه الخطوة بأنها ليست مجرد تحسين تدريجي، بل ثورة كاملة في كيفية تدفق الكهرباء داخل الشريحة.
تعتمد «إنتل» في خطتها الطموحة المسماة «خمس عقود تصنيع في أربع سنوات» على هذه التقنية إلى جانب ترانزستورات «RibbonFET» بحجم 2 نانومتر، بهدف استعادة الريادة في مجال التصنيع المتقدم بحلول 2026.
وأوضح ستيفن روبنسون، زميل علمي في «إنتل»، أن ما تشهده الصناعة الآن هو تلاقي غير مسبوق بين الابتكار المعماري والتطور التصنيعي، ما يؤدي إلى رقاقات تستهلك طاقة أقل بنسبة تصل إلى 30% مع زيادة أداء بنسبة 10%، مما يحسن كفاءة الحواسيب ومراكز البيانات على حد سواء.
الذكاء الاصطناعي: العمود الفقري للحوسبة الحديثة
تتجه «إنتل» نحو تصميم منظومة متكاملة تجمع بين المعالج المركزي (CPU)، والمعالج الرسومي (GPU)، والمعالج العصبي (NPU) للعمل بتناغم كامل، وفقًا لما أعلنه توماس بيترسن، الزميل العلمي بقسم المعمارية والبرمجيات.
تعكس هذه الرؤية منصة «Panther Lake» المرتقبة في 2026، الجيل الجديد من معالجات الذكاء الاصطناعي للحواسيب الشخصية، التي تنفذ مهام الذكاء الاصطناعي محليًا بسرعة وكفاءة مع الحفاظ على الخصوصية، دون الاعتماد المستمر على السحابة.
يشير بيترسن إلى انتقال الحوسبة من مرحلة «الذكاء المساعد» إلى «الذكاء الفاعل»، حيث يتعاون المستخدمون مع وكلاء ذكاء اصطناعي مستقلين قادرين على التحليل والتخطيط والتفاعل الذكي.
أنظمة ذكاء اصطناعي وكيلة وثقة مدمجة
قدمت «إنتل» في جلسة «Gemini Enterprise AI» مفهوم «أنظمة الذكاء الوكيلي»، التي تُمكّن التعاون بين الإنسان والآلة في بيئة عمل تعتمد على الثقة والتعاون، مع حوكمة صارمة تحمي خصوصية البيانات وأمنها.
ومن أجل ضمان أمن هذه الأنظمة، كشفت الشركة عن تحسينات في بيئات التنفيذ الموثوقة وتقنيات العزل الأمني داخل الشرائح، لضمان تشغيل النماذج الذكية ضمن نطاقات بيانات معزولة وآمنة.
مستقبل الاتصال والذكاء على الحافة
عرض مهندسو «إنتل» أيضًا مستقبل الاتصال اللاسلكي مع تقنيات «Wi-Fi 8» و«5G Advanced» التي تمهد لعصر «الجيل السادس» (6G)، حيث تصبح كل الأجهزة المتصلة مراكز بيانات مصغرة تعالج البيانات محليًا بزمن استجابة شبه لحظي.
وتعكس هذه التطورات أهمية خاصة لمنطقة الشرق الأوسط التي تشهد تسارعًا في مشاريع المدن الذكية والمركبات الذاتية والتحول الصناعي المبني على إنترنت الأشياء، مثل مشاريع «نيوم» في السعودية التي تعتمد على التوأم الرقمي لإدارة المدن في الوقت الحقيقي.
الاستدامة معيار رئيسي
على الرغم من تركيز العروض على السرعة والكفاءة، فإن الاستدامة كانت الحاضر الأبرز في كافة النقاشات. قال تيم ويلسون، نائب رئيس هندسة التصميم في «إنتل»: «الكفاءة ليست فقط أداء لكل واط، بل مسؤولية لكل واط».
تلتزم «إنتل» بتقليل استهلاك الطاقة والمياه في مصانعها، حيث تعيد تدوير أكثر من 95% من المياه المستخدمة، وتسعى لتحقيق صفر نفايات في عمليات التصنيع. تقنية «PowerVia» التي تقلل فقدان الطاقة داخل الرقاقة تعد ابتكارًا مستدامًا يساهم في توفير طاقة كبيرة عند تطبيقها على ملايين الأجهزة.
هذه الرؤية تتناغم مع أهداف «رؤية السعودية 2030» واستراتيجيات الحياد الكربوني في دول الخليج، حيث أصبحت الاستدامة جزءًا لا يتجزأ من الابتكار التقني.
ديمقراطية الذكاء الاصطناعي
واحدة من أهم رسائل الحدث كانت السعي لجعل الذكاء الاصطناعي متاحًا للجميع وليس مقصورًا على الشركات الكبرى. تقدم «إنتل» من خلال معالجات «Gaudi3» و«Gaudi4» حلولاً منخفضة التكلفة لتدريب النماذج الكبيرة، مع توفير يصل إلى 50% مقارنة بالمنافسين.
يهدف هذا التوجه إلى تمكين الجامعات والشركات الناشئة من تطوير حلول ذكية محلية دون الاعتماد الكامل على مزودي السحابة، ما يعزز السيادة الرقمية ويضع منطقة الشرق الأوسط على خريطة الابتكار العالمي في الذكاء الاصطناعي.