معزة

في 20 نوفمبر 1979، شهد العالم نقلة نوعية في تاريخ الطب، حين نُقل لأول مرة دم اصطناعي مكوّن من مركبات الكربون المشبعة بالفلور إلى جسد إنسان. كانت هذه التجربة تتويجاً لمسيرة طويلة من المحاولات الحثيثة لإيجاد بديل قادر على أداء وظائف الدم الحيوية، لكنها لم تكن حلاً نهائياً، إذ لم ينجح الدم الاصطناعي في توفير حياة مستمرة للمريض، بل أمدّه بساعات قليلة قبل الحاجة إلى نقل دم بشري، مع آثار جانبية خطيرة على الكلى والسكتات الدماغية.

تاريخ البحث عن بدائل الدم يعود إلى القرن السابع عشر، حين حاول الطبيب البريطاني ريتشارد لور نقل الدم بين الكلاب، ثم الطبيب الفرنسي جان بابتيست دينيس الذي استخدم دم الخراف والبقر في تجارب على البشر. امتدت التجارب لاحقاً إلى استخدام حليب الماعز والبشر، حيث أُصيب بعض المرضى بأضرار بالغة، بينما نجحت محاولات قليلة باستخدام الدم البشري المبكر.

تقدمت الأبحاث خلال القرن العشرين نحو استخدام الهيموغلوبين المعزول ومركبات الكربون المشبعة بالفلور، التي أثبتت قدرة محدودة على حمل الأكسجين، مع تجارب سريرية على عشرات الآلاف من المرضى رغم وجود مخاطر صحية كبيرة. اليوم، يسعى العلماء لتطوير خلايا دم اصطناعية وجسيمات نانوية يمكنها أداء وظائف محددة للدم، بما في ذلك الصفائح الدموية والتجلط، مع إمكانية التخزين لفترات طويلة وبدون مشاكل توافق فصائل الدم.

أهمية الدم الاصطناعي تكمن في الحالات الطارئة والمناطق النائية والكوارث الطبيعية، حيث يصعب الوصول إلى الدم البشري، كما أنه يمكن أن يكون خالياً من مسببات الأمراض. لكن التحدي الأكبر يبقى في دمج جميع هذه البدائل في سائل واحد يحاكي الدم البشري بكل تعقيداته ووظائفه.

اليوم، ومع تقدم تقنية النانو والهندسة الحيوية، تقترب المختبرات خطوة خطوة من تحقيق حلم الدم الاصطناعي الكامل، ما قد يفتح حقبة جديدة في الطب، حيث تصبح حياة الملايين أقل اعتماداً على توافر المتبرعين البشريين وفصائل الدم المختلفة، وأكثر أماناً واستدامة.

البحث