كشفت دراسة علمية حديثة عن آلية مذهلة يقوم بها المخ البشري خلال النوم، تُشبه إلى حد بعيد “عملية تنظيف ذاتي”، إذ يتخلص الدماغ أثناء النوم من النفايات والسموم المتراكمة التي قد تكون مرتبطة بأمراض خطيرة مثل الزهايمر.
لعقود طويلة، تساءل العلماء عن الطريقة التي يتخلص بها المخ من الفضلات الناتجة عن التفكير والنشاط العصبي. ومع أن باقي أعضاء الجسم تعتمد على الجهاز اللمفاوي لأداء هذه الوظيفة، فإن المخ محمي بما يُعرف بـ”الحاجز الدموي الدماغي”، ما يمنع تطبيق نفس الآلية داخله.
لكن في عام 2012، اكتشف فريق بحثي من جامعة روشستر الأمريكية، بقيادة الطبيبة مايكن نيدرغارد، وجود نظام خاص في الدماغ يُعرف باسم “النظام الجليمفاوي”، يلعب دورًا أساسيًا في التخلص من الفضلات العصبية. يعمل هذا النظام عبر تدفق السائل النخاعي خلال قنوات محيطة بالأوعية الدموية، حيث يختلط بالسوائل المحيطة بالخلايا العصبية ويطرد الفضلات خارج الدماغ.
النوم.. وقت تنظيف العقل
في دراسة نُشرت عام 2013، أظهرت نيدرغارد أن هذا النظام ينشط بشكل كبير أثناء النوم، ويتوقف تقريبًا أثناء الاستيقاظ، إذ يُعتقد أن تركيز المخ على معالجة العالم الخارجي يمنع “تنظيفه” الداخلي في وقت اليقظة.
وتوضح نيدرغارد:
“عندما تستيقظ وأنت تشعر بالانتعاش بعد نوم عميق، فإن ذلك يعود غالبًا إلى أن دماغك مرّ بعملية تنظيف فعالة، أشبه بتغيير زيت السيارة”.
من التجارب على الفئران إلى تأكيده في البشر
في البداية، أُجريت التجارب على الفئران، حيث تبيّن أن تدفق السائل النخاعي يتراجع بنسبة 95% عند الاستيقاظ، وأن القنوات المحيطة بالأوعية الدموية تتسع بنسبة 60% أثناء النوم، مما يعزز عملية التخلص من السموم.
لكن الدراسات على البشر كانت أكثر تعقيدًا، نظرًا لاختلاف بنية الدماغ وسلوك النوم. وفي عام 2021، أجرى جراح الأعصاب بيير كريستيان إيدي تجربة شملت حقن متتبعات فلورية في أدمغة متطوعين بشر، ومراقبة تدفق السوائل أثناء النوم والحرمان منه.
وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين حُرموا من النوم سجلوا تراجعًا واضحًا في حركة السوائل النخاعية، حتى بعد تعويض النوم لاحقًا، مما يشير إلى أن أثر الحرمان من النوم لا يمكن معالجته بسهولة.
خطر اضطراب “التنظيف الليلي”
يشير الباحث جيفري إيليف من جامعة واشنطن إلى أن تعطّل النظام الجليمفاوي قد يكون مرتبطًا بأمراض عصبية مثل الزهايمر، خاصة في ظل تراكم بروتينات ضارة مثل الأميلويد بيتا وتاو.
ويقول إيليف:
“لفترة طويلة ركز العلماء على دور النوم في تقوية الذاكرة، لكننا الآن نعلم أن النوم يلعب دورًا حيويًا في تنظيف الدماغ من السموم”.