في تطور علمي مذهل، نجح الذكاء الاصطناعي بتصميم مادة جديدة فائقة الخفة والقوة، تماثل في صلابتها الفولاذ، لكنها خفيفة مثل الستايروفوم. هذا الاكتشاف يعدّ اختراقًا ثوريًا في علم الموادّ، حيث يُظهر كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتجاوز حدود الابتكار التقليديّ.
دور الذكاء الاصطناعي في تصميم المواد
لطالما استغرق المهندسون سنوات في تجريب الهياكل المختلفة لتحقيق التوازن ما بين القوة، الوزن، والمتانة. ولكن التعلم الآلي أحدث الآن تحولًا جذريًا في هذا المجال. وفقًا لدراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة تورنتو ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Caltech)، جرى استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل عدد لا يُحصى من الهياكل النانوية المحتملة. وقد تعلّم الذكاء الاصطناعي كيفيّة تصميم الهياكل التي توزّع الإجهاد بشكل مثاليّ أثناء تحمّل الأحمال الثقيلة.
تصميم هياكل جديدة غير مسبوقة
بدلاً من الاعتماد على النجاحات السابقة فقط، تمكّن الذكاء الاصطناعي من التنبّؤ بتصاميم شبكية جديدة كليًا لم تكن معروفة من قبل. بعد ذلك، قام الباحثون بطباعة هذه الهياكل باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، ممّا أدّى إلى إنتاج موادّ نانوية فائقة الخفّة، لكنها أقوى بمرتين من التصاميم المعروفة سابقًا، وأقوى بخمس مرات من التيتانيوم.
التحدّي بين القوة والمتانة
إحدى أكبر المشكلات في علم المواد هي تحقيق التوازن بين الصلابة والمتانة. على سبيل المثال، الأطباق الخزفية قوية لكنها هشّة، إذ يُمكنها تحمّل أوزان ثقيلة، لكنها تتعرّض للكسر بسهولة. نفس المشكلة واجهت الموادّ ذات البنية النانوية، والتي تتميّز بصلابتها العالية، لكنّها معرّضة للكسر المفاجئ بسبب هذه الصلابة. لكن المادة الجديدة التي طوّرها الذكاء الاصطناعي تغلّبت على هذه العقبة، حيث تتمتع بمتانة كافية لتحمّل الضغوط الهائلة مع الاحتفاظ بخفّة الوزن.
التطبيقات المستقبلية للمادة الجديدة
إلى جانب كونها خفيفة بما يكفي لتقليل استهلاك الوقود في الطائرات، المروحيات، والمركبات الفضائية، فإن هذه المادة متينة بدرجة تجعلها قادرة على تحمّل الظروف القاسية. ويشير الباحثون إلى أن استبدال مكوّنات التيتانيوم في الطائرات بهذه المادة الجديدة يمكن أن يوفر ما يصل إلى 80 لترًا من الوقود سنويًا لكلّ كيلوغرام يتم استبداله.
لكن هذا التطوّر لا يقتصر على مادة واحدة فقط؛ فبعدما أثبت الذكاء الاصطناعيّ قدرته على تصميم هذه الموادّ الجديدة، يعمل العلماء الآن على توسيع نطاق الإنتاج. الهدف النهائي هو تطوير موادّ أقوى وأخفّ وزناً لاستخدامها في المركبات الفضائية، والسيارات عالية الأداء، وحتى في الهياكل المعمارية المستقبليّة.
يبرز هذا الاكتشاف كيف أن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر فقط على تحسين التقنيات الحالية، بل إنه يفتح الباب لإنجازات جديدة بالكامل. وإذا استمرّ هذا التوجّه، فقد يكون الجيل القادم من الموادّ أخفّ، وأقوى، وأكثر استدامة مما كان بإمكان المهندسين البشريين تصميمه بمفردهم.