في سباق محموم نحو المستقبل، تتنافس شركات التقنية الكبرى على دمج الذكاء الاصطناعي (AI) في جميع أجهزتها، من الهواتف الذكية إلى الساعات والنظارات وحتى الخواتم الذكية. ومع تعدّد الرؤى، يجمعها هدف واحد: بناء منظومات مغلقة وشاملة تتحكّم بتجربة المستخدم من الألف إلى الياء.
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد ميزة إضافية، بل أصبح الركيزة الأساسية التي تدور حولها خطط تطوير الأجهزة والأنظمة البيئية الخاصة بكل شركة. وما بين غوغل وآبل وميتا وشركات ناشئة مثل “رابيت”، تتنوع الأساليب، لكن الوجهة واحدة: دمج الذكاء الاصطناعي بسلاسة في حياة المستخدم اليومية.
من الهواتف إلى الأجسام: لماذا الأجهزة القابلة للارتداء؟
تكمن إحدى أكبر التحديات في تقنيات الذكاء الاصطناعي في سهولة الوصول إليها. فالتقنية، مهما كانت قوية، تفقد قيمتها إن لم تكن في متناول المستخدم في أي وقت وأي مكان.
وهنا تأتي قوة الأجهزة القابلة للارتداء؛ فهذه الأجهزة، التي تلازم الجسد طوال اليوم، تُعد نقطة اتصال دائمة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي. يمكن للمستخدم أن يستدعي المساعد الذكي من ساعته أو سماعته أو حتى من خاتمه، دون الحاجة لإيقاف ما يفعله أو إخراج الهاتف.
تخيل سيناريو بسيط: تبدأ يومك على الكمبيوتر باستخدام مساعد غوغل، ثم تكمل التفاعل معه عبر الهاتف، وتختمه في صالة الألعاب الرياضية من خلال ساعتك الذكية — كل ذلك ضمن منظومة واحدة تحتفظ بالبيانات والتفضيلات وتتعلّم منك باستمرار.
الشركات تسعى إلى “حدائق مغلقة”
لتحقيق هذا التكامل، تتجه الشركات نحو بناء أنظمة مغلقة لا تسمح بتداخل خدمات الشركات الأخرى. فآبل، مثلًا، تربط مستخدميها بسلسلة من الأجهزة المتصلة مثل الآيفون، أبل ووتش، وسماعات إيربودز، ضمن تجربة موحّدة يصعب مغادرتها. الأمر نفسه يحدث في عالم غوغل، وميتا، وحتى شركات ناشئة تحاول دخول الساحة بمنظوماتها الخاصة.
ولكن هذا التوجه يطرح تساؤلات حول مستقبل الانفتاح التقني والتوافق بين الأنظمة، إذ يبدو أن الشركات الكبرى أصبحت تفضل الانغلاق على تقديم تجربة متكاملة لا يمكن مشاركتها مع الآخرين.
الأجهزة المثالية لاستخدام الذكاء الاصطناعي.. لا إجماع بعد
رغم الحماس الكبير، لا تزال الشركات في طور الاكتشاف والتجريب. فمثلًا، ترى غوغل أن الساعات الذكية والخواتم هي المستقبل، بينما تركز ميتا على النظارات الذكية كوسيلة للوصول السريع إلى الذكاء الاصطناعي في بيئات التواصل الاجتماعي.
في المقابل، تحاول شركات مثل “رابيت” تقديم أجهزة صغيرة محمولة كمساعدين شخصيين مستقلين يمكن أن يغيّروا قواعد اللعبة بالكامل، بينما تتجه شركات أخرى إلى تطوير مساعدين شخصيين بتصميمات روبوتية توضع على المكتب، أو عبر دمج الذكاء الاصطناعي في المنازل الذكية.
ولا يمكن إغفال المشروع الغامض الذي يعمل عليه الثنائي سام ألتمان (OpenAI) وجوني إيف (مصمم آيفون)، الذي يتوقع أن يُحدث تحولاً كبيراً في شكل الجهاز الذكي القادم — رغم غياب أي تفاصيل حتى الآن.
التطور السريع.. نعمة ونقمة
هذا التسارع الجنوني في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي يفرض تحديات كبيرة على صُنّاع الأجهزة. إذ قد تُصبح أي رؤية مستقبلية قديمة خلال أشهر، ما يجعل من الصعب على الشركات الاستثمار بثقة في أي شكل من أشكال العتاد دون أن يُصبح غير ذي جدوى سريعًا.
كما يقول ريشي تشاندرا، نائب رئيس “غوغل” لقطاع الصحة و”فيت بيت”: “كل ما نراه اليوم قد يصبح بلا قيمة خلال ثوانٍ معدودة”.
النجاح في البساطة والتكامل
بعكس الموجات التقنية السابقة، لا توجد وصفة جاهزة أو معادلة نجاح واحدة للذكاء الاصطناعي. المفتاح الحقيقي يكمن في تقديم حالات استخدام واقعية وملموسة تندمج بسلاسة في حياة المستخدم، بدلًا من اختراع استخدامات معقدة والسعي لإقناع المستخدمين بضرورتها.