رئيس الجمهورية جوزاف عون في الكويت

كتب طوني كرم في نداء الوطن:

في السياسة، ثمة محطات لا تُقاس بالكلمات، بل بالتحولات الجذرية. وزيارة رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد جوزاف عون، إلى الخليج العربي ليست مجرد تفصيل في مشهد لبناني مأزوم، بل تُعدّ إعلاناً واضحاً عن نهاية مرحلة عنوانها العزلة، وبداية محاولة جادة لاستعادة الهوية الوطنية التي ضاعت بين سطوة السلاح وارتهان القرار.

الرئيس الذي انتُخب بعد تعطيل ممنهج، كان هدفه إغراق الدولة في مزيد من الانهيار المؤسساتي، وتعويم مشاريع التقسيم والتقوقع، لم يلبث أن وجّه البوصلة نحو الاتجاه الصحيح: العمق العربي، وتحديداً نحو دول الخليج التي لطالما كانت الحاضن السياسي والاقتصادي للبنان. تواصله مع الدول العربية لا يقتصر على تعزيز العلاقات الدبلوماسية، بل يُعبّر عن إرادة سياسية جديدة ترفض إبقاء لبنان ورقة تفاوض إيرانية أو ساحة مفتوحة لحروب الآخرين.

بعد السعودية وقطر والإمارات، يستكمل الرئيس عون لقاءاته مع الأشقاء العرب، حيث بدأ أمس زيارة رسمية إلى دولة الكويت تلبية لدعوة من أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح. وتأتي هذه الزيارة في لحظة مصيرية، إذ لم يعد بمقدور لبنان تحمّل كلفة القطيعة مع العالم العربي، لا سيّما مع دول الخليج، التي فرضت إجراءات صارمة نتيجة ممارسات “حزب الله” العدائية، بدءاً من التهجم السياسي على العرب، وصولاً إلى التورط في ملفات إقليمية وتحويل لبنان إلى منصة لتهريب المخدرات والكبتاغون، وتدريب مجموعات مسلّحة تناصب العداء للأشقاء العرب.

اليوم، يعيد رئيس الجمهورية فتح الأبواب التي أُغلقت بسبب هذا الانحراف. يسعى لاستعادة ثقة العرب بلبنان الرسمي، شعباً ودولةً ومؤسسات، لا بلبنان المخطوف. وهذا التوجه لا يحتاج إلى كثير من التفسير: بلد بلا عمقه العربي ، هو بلد ساقط استراتيجياً، اقتصادياً وسيادياً، خصوصاً في لحظة يعاد فيها رسم خارطة التوازنات السياسية والجغرافية في المنطقة.

في المقابل، لا تُخفي بقايا “محور إيران” في لبنان انزعاجها من هذه الدينامية الجديدة. وقد بدا ذلك جلياً من خلال الماكينة الإعلامية التابعة لهؤلاء، والتي انشغلت مؤخراً بالتقليل من أهمية زيارات الرئيس إلى الدول العربية، والتشكيك في جدواها. وإن كان هذا النهج متوقعاً، بالنظر إلى أنه يُشكل تهديداً مباشراً لمصالح هذا المحور، فإن الرئاسة اللبنانية وضعت هذا السلوك في خانة التآمر على المصالح الوطنية، ودعت المعنيين إلى تحمّل مسؤولياتهم الوطنية والقانونية والأخلاقية، خصوصاً في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد.

في هذا السياق، كشفت مصادر متابعة لصحيفة “نداء الوطن” أن الرئيس العماد جوزاف عون، ومنذ لحظة قراره بخوض معركة الانفتاح العربي وتصويب البوصلة، دخل عملياً في مواجهة مفتوحة مع مشروع الهيمنة الإيرانية. وأشارت إلى أن المعركة الراهنة لا تقتصر على السياسة الخارجية، بل تتعلق أيضاً بمن يملك مفاتيح القرار الداخلي: الدولة أم المحور؟ قصر بعبدا والحكومة أم سراديب الميليشيات؟ المؤسسات الدستورية المنتخبة أم امتدادٌ لوصاية خارجية ما؟

وأكدت المصادر أن استكمال الرئيس عون لجولاته العربية لا يندرج في خانة البروتوكول، بل يمثل اختباراً جدياً لمدى التزام الدولة بإعادة التموضع الاستراتيجي، كما يكشف القوى التي تدّعي السيادة فيما هي في الحقيقة مرتهنة، وترفض دعم رئيس الجمهورية في معركة رفع الحظر السياسي والاقتصادي عن لبنان. وهذه الخطوة تُعدّ ركيزة أساسية لإعادة إطلاق عجلة الحياة الاقتصادية وتأمين الدعم اللازم لإعمار الجنوب والبقاع وبيروت. ويبقى السؤال: هل يلاقي الداخل هذه الجهود بمسؤولية؟ أم تستمر بعض القوى في التمسك بمشروع الخراب الإقليمي؟

وفي موازاة انشغال البعض في تعداد “فاعليتهم” داخل صناديق الاقتراع، وتقليل آخرين من أهمية الخطوات التي يقوم بها العهد الرئاسي، يشكّل تحرّك الرئيس جوزاف عون اليوم بوصلة وطنية ومصلحة عليا، تُعيد للبنان موقعه الطبيعي في الفضاء العربي، وتقف في وجه العزلة والانهيار، ومحاولات إبقاء لبنان ورقة إيرانية ورهينة على طاولة مفاوضات لا تخصّ اللبنانيين.

البحث