الطائرات الروبوتية

في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، لم تعد الروبوتات مقتصرة على المصانع والمختبرات، بل بدأت تغزو السماء حاملة أدوات البناء والمواد الخام. هذا المشهد، الذي كان يُعد خيالًا علميًا، أصبح واقعًا بفضل ما يُعرف بـ”الروبوتات الطائرة” أو الطائرات المسيّرة المتخصصة في أعمال البناء.

بينما اقتصر استخدام الطائرات الروبوتية في قطاع البناء سابقًا على المسح والمراقبة ورسم الخرائط، فإن التحديات المتزايدة مثل ارتفاع تكاليف العمالة، والحاجة إلى تحسين الإنتاجية والجودة، وتقليل الفاقد واستهلاك الطاقة، بالإضافة إلى النمو السكاني العالمي السريع، تدفع الحاجة إلى حلول مبتكرة لتلبية الطلب المتزايد على المساكن والبنية التحتية في العقود القادمة.

ولمواجهة هذه التحديات، يساهم الاتجاه المتزايد نحو الأتمتة في قطاع البناء في تعزيز استخدام تقنيات مثل التصنيع المسبق وتوظيف الروبوتات في المهام الإنشائية. ورغم فوائد كلا النهجين، تظل عمليات البناء التقليدية في الموقع أساسية لمعظم المشروعات.

منصات طباعة ثلاثية الأبعاد جوية:

تقدم الروبوتات الطائرة حلولًا ثورية لتنفيذ المهام في مواقع يصعب الوصول إليها، بسرعة ودقة وكفاءة تفوق القدرات التقليدية، وفقًا لدراسة نشرت في دورية “ساينس روبوتيكس”.

وتناولت الدراسة، التي أجراها باحثون بجامعة إمبريال كوليدج لندن، مستقبل “التصنيع الإضافي الجوي” أو “الطباعة ثلاثية الأبعاد الجوية”، وهو نهج جديد يعتمد على استخدام الروبوتات الطائرة في بناء هياكل ثلاثية الأبعاد وتركيب الطوب والكتل مباشرة في موقع العمل.

يهدف هذا المجال إلى تحويل الطائرات دون طيار إلى منصات طباعة ثلاثية الأبعاد محمولة جوًا لبناء أو إصلاح هياكل في مواقع خطرة أو يصعب الوصول إليها مثل الجسور وناطحات السحاب. ويمكن لهذا النهج، باستخدام طائرات روبوتية مجهزة بمعالجات مخصصة للمهام الإنشائية، أن يحدث تحولًا كبيرًا في استخدام الطائرات الروبوتية في الأنشطة الإنشائية في الموقع.

ووفقًا للدراسة، يتميز هذا النهج بإمكانية التوسع الرأسي للأبنية على ارتفاعات عالية، والوصول إلى أماكن صعبة الوصول باستخدام المعدات التقليدية، وتنفيذ أعمال صيانة سريعة عند الحاجة. كما تستطيع الروبوتات الطائرة العمل بسهولة على ارتفاعات مختلفة، مما يسمح لها بأداء المهام الإنشائية في مستويات يصعب على الروبوتات الأرضية الوصول إليها عمليًا.

تتمتع هذه الروبوتات أيضًا بالقدرة على الوصول إلى المناطق النائية أو المتضررة من الكوارث، أو البيئات التي يصعب فيها نشر المعدات التقليدية، مثل الجبال والأبنية الشاهقة والصحاري، متجاوزة العقبات التي قد تواجه الأنظمة الأرضية، وبذلك يمكن للطائرات الروبوتية تقليل الاعتماد على العمال في المواقع الخطرة، مما يحد من الحوادث ويسرع وتيرة العمل في مشروعات البناء.

يقول الدكتور يوسف فرقان كايا، الباحث الرئيسي للدراسة من جامعة إمبريال كوليدج لندن، إن الطباعة ثلاثية الأبعاد الجوية تعزز الكفاءة من خلال أتمتة عملية وضع المواد مباشرة في موقع العمل، مما يلغي الحاجة إلى السقالات أو الآلات الثقيلة. كما تساهم هذه التقنية في تقليل الأثر البيئي عبر تقليص الفاقد من المواد والانبعاثات الناتجة عن عمليات النقل.

حلول مرنة وتحديات مستقبلية:

أضاف كايا أن الطائرات دون طيار تتمتع بمرونة عالية، كونها مستقلة عن طبيعة التضاريس وقادرة على العمل في الأماكن المرتفعة أو الضيقة، مما يجعلها مثالية للاستجابة بعد الكوارث وإصلاح البنية التحتية أو تنفيذ مشروعات البناء في المواقع التي يصعب الوصول إليها بالطرق التقليدية.

تختلف عملية تشغيل الطائرات الروبوتية لأداء مهام “التصنيع الإضافي الجوي” بشكل جوهري عن تقنيات البناء التقليدية التي تعتمد على مخططات هندسية معدة مسبقًا، إذ لا يزال هذا النهج الناشئ في مراحله الأولية ويحتاج لمزيد من التطوير قبل اعتماده على نطاق واسع.

ويشير كايا إلى أن نشر هذه التقنية يتطلب التغلب على مجموعة من التحديات، في مقدمتها محدودية الحمولة التي تستطيع الطائرات دون طيار حملها، وقصر عمر البطارية، بالإضافة لصعوبات تتعلق بدقة الطيران ومشكلات في أنظمة الاستشعار والملاحة في البيئات الخارجية المفتوحة.

كما يتطلب توسيع نطاق استخدام هذه التكنولوجيا معالجة تحديات علمية وتكنولوجية أعمق، تشمل تطوير منصات الطيران الروبوتية نفسها وتحقيق تقدم كبير في مجالي التصميم المعماري وعلوم المواد. وتُعد هذه التطورات ضرورية لدمج تقنية “التصنيع الإضافي الجوي” بكفاءة في مشروعات البناء واسعة النطاق والموقعية.

البحث