كثيراً ما ندفع، بدافع الحب والخوف، إلى التمسك بمن نحبهم حتى لو كانوا يتألمون. نتمسك بوجودهم رغم المعاناة، كأن بقاءهم يؤنسنا أكثر من فكرة رحيلهم بسلام. هنا يأتي دور العناية التلطيفية، كحق أساسي لكل مريض بلغ مراحل متقدمة من مرض مستعصٍ أو مزمن، وبدأت العلاجات تفقد فاعليتها.
ما هي العناية التلطيفية؟
هي رعاية شاملة تضع كرامة المريض في صلب أولوياتها. هدفها ليس الشفاء، بل تحسين نوعية الحياة، تخفيف الألم الجسدي والمعاناة النفسية، وتقديم الدعم الروحي والاجتماعي، للمريض ولعائلته.
في لبنان، تتولى “جمعية سند” هذه المهمة الإنسانية، حيث ترافق المريض في رحلته الأخيرة، لتمنحه ما تبقى من الحياة بطريقة لائقة وكريمة. وتشدد رئيسة الجمعية، لبنى عز الدين، على أن العناية التلطيفية “قصة حياة، لا قصة موت”.
فكل ما يُقدّم للمريض يهدف إلى تخفيف ألمه، ومساعدته على تجاوز الشعور باليأس، والتمسك بما تبقى له من لحظات، بسلام داخلي وطمأنينة.
تمييز ضروري: العناية التلطيفية ≠ الموت الرحيم
رغم انتشار المفهوم، لا يزال كثيرون يخلطون بين العناية التلطيفية والموت الرحيم.
الأول يساند المريض ليعيش بكرامة حتى النهاية.
الثاني، يختصر الحياة لإنهاء العذاب. تؤكد عز الدين أن هدف الجمعية هو خلق الأمل، لا إنهاؤه، والاستثمار في كل دقيقة متبقية من عمر الإنسان، لا قطعها.
الدعم يشمل العائلة أيضاً، تشير سارية جرجس، مسؤولة قسم التمريض، إلى أن دعم المريض لا يكتمل دون إشراك العائلة.
التوعية وتفهّم مراحل المرض يخففان من وطأة الصدمة، ويمنحان الجميع أدوات التعاطي مع الألم بطريقة إنسانية. كل فريق الجمعية، من أطباء إلى ممرضين وأخصائيين نفسيين وروحيين، يعمل بتناغم لتأمين أفضل رعاية ممكنة.
وتوضح شانتال خضرا، المسؤولة عن الدعم النفسي، أن بعض المرضى، حتى في المراحل الأولى من المرض، يطلبون الموت من شدة الألم. لكن بمجرد تأمين الدعم الشامل، تتبدل هذه الرغبة. يفهم المريض حالته، ويصبح أكثر تقبلاً لها.
كما تدرك العائلة أن هذه المرحلة تخصهم جميعاً، وليست مجرد تجربة فردية.
العناية التلطيفية: أمل بديل
ليست العناية التلطيفية رفاهية، بل ضرورة إنسانية. هي دعوة للمجتمع لتغيير نظرته إلى المرض، من حالة ميؤوس منها إلى تجربة يمكن إدارتها بكرامة ورحمة. ليست إنهاءً للحياة، بل احتفاء بها، حتى اللحظة الأخيرة.