في 26 أيار 1913، ارتفعت طائرة “الفارس الروسي” في سماء مدينة سان بطرسبورغ، لتسجل بداية جديدة في عالم الطيران الثقيل. كانت هذه الطائرة، التي صممها المهندس الروسي الشاب إيغور سيكورسكي، أول طائرة في العالم مزودة بأربعة محركات، والأثقل من نوعها في تلك الفترة.
صممت الطائرة ذات السطحين على يد سيكورسكي عندما كان في عمر 24 عامًا. وعلى الرغم من التشكيك الواسع في إمكانياتها، أثبتت الطائرة قدرتها على التحليق بعد أسابيع قليلة من ظهورها، حيث سجلت رقماً قياسياً عالمياً في البقاء في الجو، إذ استمرت رحلتها لمدة ساعة و54 دقيقة. الطائرة كانت ذات وزن ثقيل وصل إلى 3.4 طناً، وكان يمكنها حمل ما يصل إلى 4.9 طناً مع الحمولة.
رغم حجمها الكبير وثقلها، اعتمد سيكورسكي على قوة محركاتها الأربعة، التي كانت توفر سرعة كافية لرفع الطائرة في السماء. كان هذا بمثابة بداية عصر الطيران بعيد المدى، الذي يشمل الطائرات القاذفة، وطائرات الركاب، ونقل البضائع.
صُممت الطائرة لتحمل 3 أفراد من الطاقم، بالإضافة إلى 4 ركاب. كما كانت مجهزة بمقصورة مغلقة بالكامل، ما جعلها تشبه “الترام الطائر” في مظهرها. ويعتبر تصميم المقصورة من أبرز الابتكارات حيث كان يسمح للميكانيكيين بإجراء عمليات الإصلاح أثناء الطيران.
ولكن، لم يكن الطيران بهذا الحجم خالياً من التحديات. وفي عام 1913، تعرضت الطائرة لحادث خلال مسابقة خاصة بالطائرات العسكرية عندما سقط محرك طائرة أخرى على الطائرة “الفارس الروسي” وهي رابضة على الأرض، مما ألحق بها أضراراً كبيرة. ورغم الحادث، قرر سيكورسكي عدم إصلاح الطائرة، ليبدأ بعدها بتصميم طائرة جديدة، هي “إيليا موروميتس”، التي أصبحت لاحقًا رمزاً للطيران العسكري الروسي وأول قاذفة قنابل ثقيلة تُنتج في روسيا بكميات كبيرة.
كانت طائرة “الفارس الروسي” خطوة غير مسبوقة في عالم الطيران، وساهمت في تطوير التصاميم الحديثة للطائرات الكبيرة والنقل الجوي، لتصبح مثالاً على كيفية تجاوز الحدود التقنية في زمن كان فيه الطيران لا يزال في مراحله الأولى.