كتب رماح هاشم في “نداء الوطن”: تُعدّ الطبقة الوسطى الركيزة الأساسيّة لأيّ مجتمع، لما تُمثله من ثقلٍ اجتماعيّ واقتصاديّ وماليّ. فهي طبقة عاملة ومُنتجة تضمّ الموظفين وأصحاب الدخل الثابت، وتُشكّل عادةً “صمّام أمان” يحدّ من مظاهر الفقر، ويعكس قدرة المجتمع على الاستقرار والنموّ. غير أن المشهد في لبنان تبدّل جذريًا خلال السنوات الماضية، بعدما عصفت الأزمات المتلاحقة بقدرة هذه الطبقة على الصمود، فانكمشت قاعدتها بشكل غير مسبوق. بحسب تقارير “الإسكوا”، ارتفع الفقر المدقع إلى نحو 40 %، والفقر العام إلى أكثر من 80 %، فيما بلغ الفقر المتعدّد الأبعاد – الذي يأخذ في الاعتبار الجوانب الاجتماعية والصحية والتربوية – مستويات تجاوزت 82 %. وفي مقابل هذا الانهيار، شهدت الشريحة الغنية زيادة ملحوظة في ثرواتها خلال الأزمة، ما عمّق الفجوات الطبقية ورسّخ اختلال التوازن الاجتماعيّ.في ضوء هذا الواقع، تُصبح إعادة بناء الطبقة الوسطى نقطة الانطلاق الأساسيّة لأيّ محاولة جديّة لإحياء الاقتصاد اللبناني، إذ لا يمكن الحديث عن تعافٍ أو استقرار من دون استعادة الدور المحوريّ لهذه الفئة التي شكّلت لسنوات طويلة قلب المجتمع ومُحرّكه الأساسيّ.3 نقاط أساسيّةفي هذا الإطار، يُعدّد أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانيّة جاسم عجاقة، 3 نقاط أساسية ومهمّة للطبقة الوسطى، ويُفندها على الشكل التالي: اجتماعيّة، اقتصاديّة وماليّة.”أوّلًا، على الصعيد الاجتماعيّ: تُعتبر الطبقة الوسطى طبقة عاملة ومنتجة، تضمّ موظفين وأصحاب دخل ثابت، ما يعني غياب مظاهر الفقر لدى أفرادها وقدرتهم على تأمين احتياجاتهم الأساسيّة. وهذا يشكّل أحد المؤشرات المعتمدة من قبل الأمم المتحدة لقياس مستوى التنمية المستدامة ورفاهية المجتمعات، إذ غالبًا ما يُستخدم حجم الطبقة الوسطى ونموّها كمعيار لقياس صحة البنية الاجتماعيّة.ثانيًا، على الصعيد الاقتصاديّ: تؤدّي الطبقة الوسطى دورًا محوريًا في الدورة الاقتصادية باعتبارها الشريحة الأكبر استهلاكًا داخل المجتمع. فهي تخلق الطلب الداخليّ الذي يُحرّك النموّ وتساهم في إنتاج الناتج المحلّي الإجمالي من خلال الاستهلاك والعمل معًا. كما تشكّل المصدر الأساسيّ لتأمين اليد العاملة الكفُؤة للشركات، ما يجعلها ركيزة أساسية لاستمرار النشاط الاقتصادي.ثالثًا على الصعيد المالي: تُعدّ الطبقة الوسطى المساهم الأكبر في الإيرادات الضريبية للدولة، كون الضرائب تُفرض أساسًا على النشاطات الاقتصادية الأكثر انتظامًا والتي ترتبط عادةً بهذه الطبقة. وبالتالي، فإن تراجع حجم الطبقة الوسطى ينعكس مباشرةً على مالية الدولة ويؤدي إلى انخفاض كبير في إيراداتها الضريبية”.مشهد متغيّريتطرّق عجاقة إلى “تطوّر الأوضاع بين عام 2019 وما بعد الأزمة”، حيث يُشير إلى أنه “في عام 2019، عكست الأرقام الرسمية التوزيع التالي: الفقر الحاد: 8 %، الفقر: 19.8 %، الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى: 45.6 %، الشريحة العليا من الطبقة الوسطى: 11.5 %، والشريحة الغنية: حوالى 15 %”.بعد الأزمة، خصوصًا بعد عام 2021، “المشهدية تغيّرت بشكل جذريّ. فبحسب “الإسكوا”، ارتفع الفقر المدقع إلى نحو 40 %، والفقر العام إلى أكثر من 80 %. أمّا الفقر المتعدّد الأبعاد – الذي يأخذ في الاعتبار الجوانب الاجتماعية والصحية والتربوية – فقد وصل إلى نسب تفوق 82 % من مجمل السكان. وهذا يعني أن لبنان خسر الطبقة الوسطى على المستويات الثلاثة: الاجتماعية، الاقتصادية والمالية، ما يشكّل خطرًا مباشرًا على هيكلية المجتمع ككلّ”.انعكاسات رواتب القطاع العامّيلفت عجاقة إلى مسألة “انعكاسات الرواتب في القطاع العامّ”، وإذ يعتبر أنه “نظرًا لأن الدولة تُعدّ من أكبر المشغلين في لبنان، فإن رفع الأجور في القطاع العام ساهم بشكل محدود في تخفيف نسب الفقر لدى العاملين فيه”، إلّا أنه يُشير إلى أن “الانخفاض بقي بسيطًا لعدم وجود أي إحصاءات دقيقة بعد ذلك. كما أن توسّع الاقتصاد النقدي منذ عام 2022 وزيادة الدعم الاجتماعي أدّيا إلى تخفيف جزئيّ لمعدلات الفقر، لكن من دون أي تحسن ملموس أو مستدام في مستوى المعيشة”.وفي هذا الإطار، يلفت إلى أن “الشريحة الغنية شهدت ارتفاعًا إضافيًا في مستويات ثروتها خلال الأزمة، كما انتقلت فئات من أعلى الطبقة المتوسطة إلى فئة الأغنياء، مستفيدةً من ظروف الأزمة بطرق مختلفة. هذا التحوّل زاد من حدّة عدم المساواة وعمّق الفجوة بين شرائح المجتمع”.
انهيار الطبقة الوسطى يهدّد بنية المجتمع… والفقر يتّسع إلى مستويات غير مسبوقة في لبنان