بعد تراجع الجيش الإسرائيلي عن موقفه وإبلاغه المتدينين اليهود أنه لن يسمح لهم بزيارة ضريح “راب آشي”، القائم على تلة الشيخ العباد اللبنانية، لأسباب أمنية، سيّما أنه جرى السماح لهم سابقًا بدخوله وترميمه على مدى أسبوع كامل، أصر هؤلاء على دخوله مجددًا لأداء الصلوات. واحتجاجًا على ذلك، قذفوا قوات الجيش الإسرائيلي بالحجارة صباح الأربعاء، ما أدى إلى اعتقال بعضهم.
وقال ناطق باسم مجموعة من حركة “المتدينين الحسيديم” إن الجيش الإسرائيلي سمح لهم وساعدهم على “ترميم الضريح المقدس، واليوم يتراجع تحت ضغوط سياسية خارجية». واتهموا الجيش الإسرائيلي بالتنكيل بهم؛ بسبب التزامهم الديني.
وأشاروا إلى أن: “الجيش الإسرائيلي سيحتفظ بـ5 مواقع كبيرة في لبنان، مع أنها دون أي قيم معنوية، لكنه يرفض الاحتفاظ بموقع يهودي مقدس، لأنه يتنكر للقيم الدينية”.
كما ذكروا أن الاعتقال لن يردعهم، وأنهم سيواصلون محاولاتهم للوصول إلى الضريح وإقامة الصلوات فيه.
ويعتبر هذا الضريح يعدّ ذا أهمية بصفته مقاماً للمسلمين، حيث يضم رفات الشيخ العباد، الذي أُطلق اسمه على التلة برمتها. وهو يقع على قمة الجبل، الذي تحدّه إسرائيل من الجنوب، وقد كان موضع خلاف منذ سنة 1972، عندما قررت إسرائيل اعتباره ضريحاً يهودياً، وبدأت مجموعات يهودية دينية صغيرة تزوره للصلاة فيه تحت حماية الجيش الإسرائيلي.
وبعد انسحاب إسرائيل من لبنان سنة 2000، اتُّفق على تقسيم المقام إلى نصفين، وذلك في مفاوضات أدارها بين الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية مبعوثُ الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط، تيري رود لارسن، إلا إن هذا الحل لم يكن واقعياً ولا عملياً، خصوصاً بعد حرب لبنان الثانية سنة 2006، حيث توقفت الزيارات اليهودية للمكان وأصبح الضريح مهملًا، نصفه تحت السيطرة الإسرائيلية والنصف الآخر في لبنان.
ولكن، قبل أسبوعين، قررت مجموعة مكونة من 20 شخصاً ينتمون إلى حركة “المتدينين الحسيديم” التوجه إلى الضريح لإعادة ترميمه. وقدّم لهم الجيش الإسرائيلي الحماية والمساعدة اللوجيستية، مما جعل هذه النقطة ستكون السادسة التي تسيطر عليها إسرائيل جنوباً. أيضاً, قاموا ببناء سور حول الضريح وتنفيذ أعمال طلاء وتنظيف. وعندما تم الكشف عن هذه العملية، احتجت فرنسا ودول أوروبية عدة، وعدّت الأمر تكريساً للاحتلال الإسرائيلي، مما أجبرالجيش الإسرائيلي على إخلاء الموقع.
وفي صباح الأربعاء, حاولت هذه المجموعات إقامة الصلوات فيه مجدداً. وعندما منعها الجيش الإسرائيلي بدأ أفرادها يقذفونه بالحجارة، فاعتقل 8 منهم وقدمهم إلى محكمة مستوطنة كريات شمونة لتمديد اعتقالهم، وأوضحت النيابة العامة أنها تمنعهم من دخول المقام “لحمايتهم”، نظرًا لعدم استقرار الأوضاع في لبنان، وعدم وضوح ما قد يحدث بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي.
وقالت صحيفة المتدينين “كيكار هشبات”، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن الجيش الإسرائيلي يخطط قريباً لترتيب زيارات منظمة ومنسقة إلى الموقع “المقدس”، وهو ما اعتبره يهود متدينون فتحاً لـ”حقبة جديدة” لتمكين وصول المصلين إلى الموقع.
ويُذكر أن إسرائيل اتبعت سياسة منهجية للاستيلاء على المقامات والأضرحة، من خلال استخدامها للسيطرة على العديد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة وسيناء المصرية، وحتى في داخل إسرائيل نفسها، مستعينةً في ذلك بسلطة الآثار. كما قُتل عالم آثار لبناني قبل ثلاثة أشهر أثناء عمله في مهمة للبحث عن آثار يهودية في لبنان.