بينما انفجر لاعبو توتنهام فرحاً مع صافرة النهاية، هرولوا في كل اتجاه وقد امتزجت ملامح وجوههم بدهشة الانتصار وانفجار العاطفة، كان مدربهم أنجي بوستيكوغلو يسير بثبات نحو طاقمه الفني ليعانقهم، ثم صافح مدرب الخصم روبن أموريم بهدوء، قبل أن ينضم لاحقاً لاحتفالات فريقه دون مبالغة. بدا وكأنه كان يعرف أن هذا اليوم قادم.
وفق ما ذكرته شبكة سكاي سبورتس، فإن المدرب الأسترالي كان قد صرح مبكراً هذا الموسم، عقب خسارة أمام أرسنال في سبتمبر، قائلاً: “أنا دائماً أفوز بشيء في موسمي الثاني”. وعدٌ بدا وقتها كتصريح عابر في موسم مضطرب، لكن ها هو يتحول إلى واقع: بطولة أوروبية أولى منذ 17 عاماً، وتأهل مباشر إلى دوري أبطال أوروبا.
الواقعية تنتصر
رغم المعاناة المحلية، تمسك بوستيكوغلو بثقته في لاعبيه وقدرتهم على تحقيق شيء “خاص”. ورغم أن المباراة لم تكن عرضاً فنياً جميلاً، فإنها حملت في طياتها ما يُشبه “ثورة تكتيكية” في عقل مدرب كان لا يتنازل عن أسلوبه الهجومي، حتى جاء اليوم الذي قرر فيه اختيار الواقعية.
في لقاء حاسم، خسر فيه توتنهام الاستحواذ والفرص، فاز بالانضباط والتكتيك. امتلك الفريق الكرة بنسبة 37% في الشوط الأول، وهبطت إلى 27% مع النهاية. ورغم تسديده ثلاث كرات فقط على المرمى، كانت واحدة منها، سجلها برينان جونسون بطريقة فوضوية، كافية لحسم المباراة.
ومنذ لحظة الهدف، بدا توتنهام كفريق لا يريد أن يفرّط بالكأس. كل تدخل دفاعي قابله الجمهور بعاصفة من التصفيق، وكل تشتيت للكرة بدا وكأنه هدف، خصوصاً إحدى الكرات التي أمسكها الحارس فيكاريو قبل نهاية الشوط الأول.
تكتيك الضرورة… وانضباط جماعي
التحول في فكر بوستيكوغلو لم يكن فقط خياراً فنياً، بل جاء اضطرارياً أيضاً، نتيجة غياب أبرز عناصره الإبداعية: ماديسون، كولوسيفسكي، وبيرغفال. ومع ذلك، حسم موقفه قائلاً: “الليلة نحتاج القوة البدنية، لا الخيال”.
فأشرك ريتشارليسون على الجناح الأيسر، ودفع بسار إلى جانب بنتانكور وبيسوما في خط الوسط، ليفرض معادلة واضحة: مباراة يجب أن تُكسب، لا أن تُستعرض.
في المقابل، بدا مانشستر يونايتد هشاً. تم تحييد برونو فرنانديز، النجم الأبرز في مسيرة الفريق نحو النهائي، تماماً. اختفى أماد ديالو في الشوط الثاني، وفشل ماونت وغارناتشو في تقديم أي تهديد يُذكر. ريتشارليسون قدم مجهوداً دفاعياً مذهلاً، حتى بدا منهكاً عند خروجه، بينما عمل جونسون كظهير إضافي على الجهة الأخرى.
بل إن اللحظة التي أخطأ فيها فيكاريو وأفلتت منه عرضية، كان دومينيك سولانكي هو من شتتها. هذا هو توتنهام الجديد: جماعية، التزام، وصرامة تكتيكية.
معركة حُسمت قبل أن تبدأ
في الدفاع، قدّم روميرو وفان دي فين أداءً سيّدًا على رأس هجوم مانشستر بقيادة هوييلوند، الذي لم يظهر فعلياً طوال اللقاء. أودوجي، الذي تعثر سابقاً، عاد بقوة بفضل دعم ريتشارليسون.
حتى سون، حين دخل كبديل، قدّم دوراً دفاعياً إضافياً على الجهة اليسرى. الانضباط الكامل كان السمة العامة، فيما بدت اختيارات بوستيكوغلو في الأسابيع الأخيرة – عندما أراح عدداً من الأساسيين – أكثر حكمة مقارنة بأموريم، الذي خاض اللقاء بتشكيلة مرهقة.
رغم أن يونايتد سدد 16 كرة، فإنها لم تُشكل خطورة حقيقية، إذ لم تتجاوز مؤشرات «الأهداف المتوقعة» حاجز 0.85، بعدما تم دفعه لتسديدات من مناطق غير فعالة. أغلق توتنهام المساحات، وقَطع الإيقاع، وأدار اللقاء بذكاء.
النهاية: وعد تحقق
عند صافرة النهاية، احتفل جمهور “السبيرز” ولاعبوه بجنون، لكن الانتصار بدا محسوماً قبل ذلك بكثير. ربما حُسمت النتيجة يوم قرر بوستيكوغلو أن يتخلى عن “أنجبول” الصارمة، ليحتضن الواقعية الذكية.
لقد فعلها بطريقته الخاصة…
لكنه أوفى بالوعد.