كتبت نادين سلام في “اللواء”:
ليس لبنان وحده من يواجه تحديات داخلية وخارجية، فالمنطقة بأسرها تتأرجح بين نسمات سلام باردة وهبّات نارية، إذا ما فُتحت أبواب جهنم مجددًا على يد الشياطين القابعة في التفاصيل.
على غرار ما حدث في سوريا التي احتفلت بسقوط نظام الأسد الدموي، تحتفل غزة اليوم بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن، تمهيدًا لعودة أهلها الصامدين، مع وعود دولية بحماية هذه العودة، وإعادة إعمار المدينة المنكوبة، وتشكيل سلطة سياسية تحظى بقبول دولي.
لكن، كما تواجه سوريا تحديات كبرى في ترسيخ الأمن والاستقرار، وفي التصدي لمحاولات أطراف داخلية وخارجية لإثارة الفتن والعمل على التقسيم تحت شعارات حماية الأقليات، يواجه الفلسطينيون بدورهم تساؤلات مصيرية حول مرحلة ما بعد الاتفاق، ومصير حل الدولتين في ظل التعنّت الإسرائيلي والدعم الأميركي غير المشروط، وغياب الضمانات الدولية الملزِمة.
أما لبنان، فهو في قلب العاصفة، كونه الجار الأضعف، ومع تفاقم أزماته الداخلية وتراجع تماسكه الوطني، يزداد خطر الانقسام السياسي بين أنصار الدولة وخصومها، ما يفتح أبواب التعطيل على مصراعيها، ويُغري إسرائيل بالتدخل بذريعة عجز الدولة اللبنانية عن فرض سلطتها على كامل أراضيها.
فهل تمتد أجواء التهدئة إلى دول «محور الممانعة» المتداعي، وأذرعه في المنطقة؟ وهل تحذو حذوَ حركة «حماس» التي قررت أخيرًا حقن دماء أهلها، ووافقت على اتفاق، رغم ثغراته، وفق مبدأ «خذ وطالب»؟
وهل يُسمح لحزب الله بمراجعة تموضعه في ظل المتغيرات الإقليمية والواقع الجديد؟ وهل يمتلك هامش حركة كافٍ يعزز حضوره السياسي، ويضع جناحه العسكري تحت مظلة الدولة، تجنّبًا لمزيد من الدماء والخسائر بحجة سلاحه؟
إن اتخاذ قرار تقدير الخسارة في ساحة المعركة لم يكن يومًا سهلاً، ويتطلب كثيرًا من الحكمة والتبصُّر، والتضحية بأوهام النصر عندما تتجاوز كلفته أي مكسب. فهل تتجاوز قيادة الحزب حساباتها الضيقة، وتنقذ وطنًا ينتظر فرص نهوض وإعمار حقيقي، عبر تنمية عادلة تشمل جميع المناطق بلا تمييز؟
عام 1982، خرج ياسر عرفات من بيروت ليجنبها آلة الحرب الهمجية. فهل يخرج حزب الله عام 2025 من خنادق القتال إلى مؤسسات الدولة، ويشمِّر عن سواعده لبناء وطن يليق بأهله، ودولة تحمي مواطنيها وتؤمِّن لهم سبل العيش الكريم.