في خطوة غير متوقعة قد تُعيد رسم ملامح المشهد المالي الرقمي، أعلنت شركة “ترامب ميديا”، المشغّلة لمنصة “تروث سوشيال”، عزمها شراء كميات كبيرة من عملة البيتكوين وضمّها إلى محفظتها الاستثمارية، في إعلان وصفه مراقبون بأنه تحول نوعي في توجهات الشركة، وامتدادٌ للسياسات الموالية للعملات المشفرة التي تنتهجها الدائرة المحيطة بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
الشركة أعلنت يوم الثلاثاء موافقتها على طرح خاص يشمل بيع 1.5 مليار دولار من الأسهم و1 مليار دولار من السندات القابلة للتحويل، بهدف تمويل شراء البيتكوين، لتصبح ضمن أصولها الأساسية.
البيتكوين: من أصل رقمي إلى “درع استثماري”
الرئيس التنفيذي للشركة برر الخطوة بأنها وسيلة لحماية الشركة من “المضايقات والتمييز المالي” الذي تواجهه، على حد تعبيره، معتبرًا أن البيتكوين تمثل “أداة للحرية المالية”، كما ستُستخدم لاحقًا لتسهيل المدفوعات داخل منصة “تروث سوشيال” وربما لإطلاق رمز دفع خاص بها.
التحرك يأتي ضمن سلسلة من التحولات المرتبطة بالبيتكوين داخل دائرة ترامب، إذ سبق أن وقع الرئيس السابق أمرًا تنفيذيًا لإنشاء “احتياطي وطني استراتيجي” من البيتكوين، ما يعزز من دلالة هذه الخطوة كامتداد لنهج سياسي داعم للأصول الرقمية.
صدى مؤسسي وتحركات حذرة
جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، اعتبر أن هذه الخطوة تُضفي “مصداقية مؤسسية” متزايدة على البيتكوين، مشيرًا إلى أن عدد الشركات التي تحتفظ بمحافظ رقمية ارتفع خلال شهر واحد فقط من 89 إلى 113 شركة. وأضاف أن تبنّي “ترامب ميديا” للبيتكوين يأتي في وقت تصاعد فيه الإقبال على الأصول الرقمية للتحوّط ضد تقلبات الدولار وارتفاع عوائد السندات الأميركية.
وبحسب يرق، فإن اتجاه الشركة نحو إدراج البيتكوين كأصل استثماري استراتيجي يعكس نمطًا مشابهًا لما قامت به شركة مايكروستراتيجي بقيادة مايكل سايلور، التي لعبت دورًا رياديًا في إدخال البيتكوين إلى خزائن الشركات المدرجة.
خطوة سياسية – مالية مدروسة
من جهته، وصف ميشال صليبي، كبير محللي الأسواق المالية في شركة FXPro، إعلان “ترامب ميديا” بأنه يأتي في سياق سياسي يدعم تقنين وتنمية سوق العملات المشفرة، خاصة في ظل تقليل القيود على شركات مثل “كوين بيس” و”روبنهود”، موضحًا أن احتفاظ شركة مدرجة بهذه الكمية من البيتكوين يُعزز من موقع العملة الرقمية كـ”مخزن للقيمة”.
ومع ذلك، حذر صليبي من أن قرار الشركة لم يُقابل بإجماع في الأسواق، خاصة مع تسجيل سهمها تراجعًا بنسبة وصلت إلى 9% بعد الإعلان، ما يعكس قلقًا من التحول المفاجئ في نموذج أعمال الشركة.
مخاطر وتوقعات
وفي تحليل آخر، اعتبر خبير الأسواق المالية محمد سعيد أن قرار “ترامب ميديا” ليس مجرد “مناورة دعائية”، بل يعكس توجهاً استراتيجياً لنقل الشركة من كونها منصة تواصل إلى لاعب جديد في مجال الخدمات المالية الرقمية. وأضاف أن هذه الخطوة قد تفتح المجال أمام المزيد من الشركات والصناديق المؤسسية لتبني البيتكوين كأصل تحوطي.
لكنّه نبّه إلى أن التوقيت والدوافع قد يثيران تساؤلات حول الأبعاد السياسية والترويجية للقرار، خاصة في ظل تذبذب سعر السهم وتضاؤل الإيرادات مقارنة بتقييم السوق المرتفع.
البيتكوين على مشارف الاعتماد المؤسسي؟
تزامن الإعلان مع اقتراب انطلاق مؤتمر “بيتكوين 2025” في لاس فيغاس، أكبر تجمع سنوي لمؤيدي الأصول الرقمية، حيث يُتوقع حضور واسع من شخصيات نافذة في إدارة ترامب، بينهم نائب الرئيس جيه دي فانس ونجلاه دونالد جونيور وإريك ترامب، إلى جانب عدد من رموز القطاع المالي الداعم للعملات المشفرة.
ويُنتظر أن يُعزز هذا الحدث، إلى جانب خطوة “ترامب ميديا”، الزخم السياسي والمؤسسي لصالح البيتكوين، ما قد يُسرّع من عملية التبني المؤسسي الشامل لها في الولايات المتحدة.
بين التبني والتحفظ
ورغم النظرة الإيجابية من بعض الأطراف، تظل هناك تحذيرات من التقلبات الحادة في سوق العملات المشفرة، وتأثيرها على الاستقرار المالي للشركات. كما يشير محللون إلى أن هذه الخطوة قد تواجه انتقادات تشريعية وتنظيمية، خاصة في ظل المخاوف من استغلال البيتكوين لأهداف سياسية أو دعائية.
خلاصة:
خطوة “ترامب ميديا” قد تكون بداية لمرحلة جديدة في علاقة البيتكوين بالمؤسسات الكبرى، خاصة مع ما تحمله من دعم سياسي واضح ومصالح مالية متشابكة. لكن نجاح هذه الخطوة سيعتمد على مدى استقرار السوق، واستمرار الاهتمام المؤسسي، وموقف الجهات التنظيمية التي تراقب هذا التحول عن كثب.