كتب مروان الشدياق في “نداء الوطن”:
خرجت الدوائر الفاتيكانيّة عن صمتها حيال زيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان، فأعلن مكتب الإعلام في الكرسيّ الرسوليّ رسميًّا الزيارة الرسوليّة التي سيقوم بها الأب الأقدس إلى بيروت بين 30 تشرين الثاني و 2 كانون الأوّل 2025، وذلك تلبيةً لدعوة فخامة رئيس الجمهوريّة والسلطات الكنسيّة اللبنانيّة. وتأتي هذه المحطّة اللبنانيّة مباشرةً بعد مشاركة قداسته في تركيا في الاحتفال بمرور 1700 عام على انعقاد مجمع نيقية، على أن ينتقل منها إلى بيروت في زيارةٍ اختارها شخصيًّا لتكون الأولى له خارج حاضرة الفاتيكان، علامةً على مدى عنايته بلبنان، “موطن القديسين” و “الرسالة”، كما وصفه البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني.
فبحسب معلومات خاصة بـ “نداء الوطن” من مصادر في الدوائر الفاتيكانيّة، فإن الحبر الأعظم أراد لبنان وجهةً أولى تأكيدًا لوحدته الروحيّة مع شعبٍ متألّم، ولحمل نداء السلام إلى بلدٍ “تعرّض منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 لضربةٍ تلوَ أخرى”. وقد قال قداسته أمام الصحافيين في كاستل غاندولفو إن زيارته “تهدف قبل كل شيء إلى مواساة الشعب اللبناني وتجديد إعلان رسالة السلام في الشرق الأوسط”، لافتًا إلى أن البابا فرنسيس “كان يرغب أيضًا في الذهاب إلى هناك ليعانق اللبنانيّين بعد الانفجار وكلّ ما تحمّلوه”.
وفي تفاصيل الزيارة، أفادت مرجعيّة كنسيّة رفيعة المستوى “نداء الوطن” بأن البطاركة الكاثوليك سيكونون إلى جانب قداسته في زيارته إلى تركيا، على أن يرافقوه إلى بيروت. وفي صالون الشرف في مطار رفيق الحريري الدولي، سيكون في استقبال البابا فخامة رئيس الجمهوريّة العماد جوزاف عون، قبل انتقاله إلى قصر بعبدا لعقد اللقاء الأوّل مع كلّ من رئيس الحكومة نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ثمّ إلى الصرح البطريركي في بكركي للقاء غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. ويتبع ذلك، على مدى يومين، مسارٌ من اللقاءات مع المرجعيّات الروحيّة الكاثوليكيّة خصوصًا والمسيحيّة عمومًا، وفق برنامجٍ تؤكّده الدوائر الفاتيكانيّة بنسبة 90 %، على أن يبيت الحبر الأعظم في السفارة البابوية في حريصا.
وفي سياق التحضيرات، أكّد مصدر كنسيّ رفيع أن اللجنة الفاتيكانيّة التي وصلت إلى بيروت خلال اليومين الماضيين، جالت على المرجعيّات الدينيّة والرسميّة لوضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل. وشملت الجولة زيارة رئيس دير مار مارون – عنايا الأب ميلاد طربيه، حيث جرى تثبيت موعد الزيارة إلى الدير وضريح القدّيس شربل في الأوّل من كانون الأوّل. كما حُسم إطار لقاء الشبيبة في بكركي لجهة المكان والصلوات التي ستُتلى، وقد أُبلغت اللجانُ المنظِمة في بيروت النصوصَ المقترحة من الدوائر الفاتيكانيّة، بما فيها المقاطع الإنجيليّة المخصّصة للمناسبة. وتفيد معلومات “نداء الوطن” أن البابا طلب شخصيًّا إعداد مجموعة أسئلة يوجّهها إليه شبّانٌ وشابّات خلال اللقاء، على أن يخصّهم برسالةٍ تمتدّ قرابة 20 دقيقة.
تنظيميًّا، تتكثف اجتماعات اللجان اللبنانيّة بعد تثبيت الإعلان الفاتيكانيّ، حيث تتابع السيدة الأولى نعمت عون والمطران ميشال عون مباشرةً كلّ التحضيرات الرسميّة. وقد حُسم خيار منح النقل المباشر الحصريّ لتلفزيون لبنان الذي سيتولّى بدوره التوزيع والتنسيق مع سائر المحطّات، كما يجري إعداد لائحة من المختصّين بخبراتٍ فاتيكانيّة لمنحهم حصريّة المقابلات الإذاعية والتلفزيونية، بما يضمن ظهورًا إعلاميًّا منضبطًا وموحّدًا.
أما البرنامج الذي بات مؤكّدًا بنسبة 90 %، فتتوزع محطّاته على الشكل الآتي:
• قدّاس احتفاليّ جامع في بيروت يوم الأحد 2 كانون الأوّل قبل عودة البابا إلى الفاتيكان، والمكان قيد الحسم، على أن يكون على الأرجح في الواجهة البحريّة للعاصمة.
• لقاء الشبيبة في بكركي الذي يتولّى التحضير له المطران جوزيف النفاع إلى جانب لجنة منظمة، ويتضمّن صلواتٍ ونصوصًا إنجيليّة وأسئلة يوجّهها شبّانٌ إلى الأب الأقدس، تعقبها رسالةٌ خاصّة منه إلى الجيل الجديد.
• لقاء الكهنة والرهبان والراهبات في بازيليك سيّدة لبنان – حريصا، في سياق تثبيت الشركة الكنسيّة ودعم الرسالات الرعويّة في الظروف الراهنة.
• لقاء إسلامي – مسيحي في وسط بيروت يضمّ أكثر من أربعين مرجعيّة روحيّة، في تأكيدٍ على الدور اللبنانيّ بوصفه مساحةَ تلاقٍ وحوار.
• زيارة خاصّة إلى دير ومستشفى الصليب في جلّ الديب – بقنايا تقديرًا لمسيرة هذه المؤسّسة والرهبانيّة في خدمة ذوي الأمراض العقليّة والنفسيّة.
• زيارة خاصة إلى دير مار مارون – عنايا وضريح القدّيس شربل في الأوّل من كانون الأوّل، في محطّةٍ تعبيريّة عن مكانة القدّيس شربل في وجدان الكنيسة الجامعة وانتشاره في العالم.
بهذا، يتقدّم الإعداد لزيارةٍ تحمل في جوهرها بُعدَ المواساة والرّجاء، وتعيد وضع لبنان في صلب الاهتمام الكاثوليكيّ والدوليّ عبر رسائل سلامٍ وحوارٍ وشراكة روحيّة. ومع اقتراب المواعيد وتكامل التفاصيل اللوجستيّة والروحيّة، يبدو المشهد متجهًا إلى حدثٍ كنسيّ – وطنيّ جامع تستعيد فيه بيروت صورتها منبرًا للرّجاء.
وخاتمة القول: إن اللبنانيّين، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، يترقبون مجيء الحبر الأعظم… قدوم داعي السلام وزارع الأمل.