إسكات العقل

في نهاية يوم طويل، وبينما يحاول البعض الاسترخاء، قد تُفاجئهم أفكار قلقة: “هل أرسلت تلك الرسالة المهمة؟” – رغم أنهم يدركون على الأرجح أنهم فعلوا. لكن العقل لا يكتفي بذلك، بل يقفز مباشرة إلى أسوأ السيناريوهات: غضب المدير، فشل المشروع، وربما فقدان الوظيفة!

هذا النوع من التفكير المفرط ليس خللًا شخصيًا، بل هو امتداد لنظام أمان قديم ورثناه عن أجدادنا في العصر الحجري، صُمم لحمايتنا من الأخطار الحقيقية. فافتراض وجود تهديد (مثل صوت مفترس) كان يُزيد فرص البقاء. هذا ما يُعرف اليوم بـ “تحيّز السلبية” – ميل الدماغ للتركيز على السلبيات أكثر من الإيجابيات.

العقل القديم في زمن جديد

في الماضي، كان هذا النظام ينقذ الحياة، أما اليوم، فهو يشتعل لأتفه الأسباب – إشعار على الهاتف، أو بريد إلكتروني مقتضب. لكن الجسم يتعامل مع هذه المحفزات وكأنها تهديدات وجودية، فيُغرقنا بالكورتيزول والأدرينالين، ويضعنا في حالة تأهب مستمرة. النتيجة: توتر مزمن، تراجع في التركيز، ومشاكل في العلاقات والعمل والصحة.

ثلاث مشكلات يولدها التفكير المفرط:

إنذارات جسدية كاذبة:
استجابات القتال أو الهروب تُستَنفَد في مواقف لا تستدعيها، مما يؤدي إلى إنهاك الجهاز العصبي وضعف المناعة.

القلق المستمر وتضييق الانتباه:
العقل القلق يركّز فقط على التهديدات، ويعيد إنتاجها، مما يعزز الاعتقاد أن العالم مكان غير آمن.

الشلل بالتحليل:
التفكير الزائد في التحديات المعاصرة يُعطّل القدرة على اتخاذ قرارات فورية، ويؤدي للمماطلة والجمود.

كيف نعيد تدريب هذا العقل المرهق؟

الخبر الجيد هو أن الدماغ قابل لإعادة البرمجة، بفضل ما يُعرف بـ اللدونة العصبية. إليك ثلاث استراتيجيات فعالة:

  1. التسمية والوعي:

بدلاً من الانغماس في القلق، توقف للحظة وقل لنفسك: “هذا مجرد تحيّز سلبي”. هذه الملاحظة تُفعل الفص الجبهي، ما يضعف من تحكم “اللوزة الدماغية” المسؤولة عن التهديدات.

  1. إعادة التقييم العقلي:

بدلًا من افتراض الأسوأ، اسأل نفسك: “هل هناك تفسير منطقي آخر؟” — مثل: “ربما مديري مشغول، لا غاضب”. هذه التقنية تُعد واحدة من أقوى أساليب تنظيم المشاعر.

  1. الاحتفاظ باللحظات الإيجابية:

خصص من 20 إلى 30 ثانية لتذوق لحظة نجاح، إشادة، أو شعور بالامتنان. الدماغ يحتاج لهذا التكرار لتثبيت السعادة وتعزيز المرونة النفسية.

البحث