لطالما أثارت قمم الجبال الشاهقة إعجاب الإنسان منذ فجر التاريخ، فهي تلامس السماء وتحتضن السحاب، كأنها جسر بين الأرض والفضاء، يثير في النفس شعورًا بالرهبة والانبهار.
تسلق الجبال ليس مجرد تحدٍ جسدي، بل رحلة نحو اتساع الأفق والإدراك، حيث يشعر المتسلق بلحظة اتصال مع الكون تتجاوز حدود الذات. فالجبال ليست مجرد تضاريس صخرية، بل عرائس الطبيعة الخالدة، تحمل في صخورها تاريخ الأرض وتخبئ أساطير البشر وذكريات الزمن.
تشكل الجبال نحو ربع مساحة اليابسة على كوكب الأرض، ويعتمد عليها مباشرة أكثر من مليار نسمة من سكان العالم، الذين بنوا مجتمعات متكيفة مع الانحدارات الحادة، رغم المخاطر المستمرة من زلازل وانهيارات صخرية وثلجية تهدد حياتهم.
ورغم ذلك، فإن استغلال الإنسان للجبال، من زراعة على المنحدرات إلى قطع الغابات، يزيد هشاشة النظم البيئية ويعجل بالكوارث. فالجبال ليست مهمة محليًا فقط، بل عالميًا؛ فهي تتحكم في المناخ، وتؤثر في الرياح والأمطار، وتعد خزانات المياه العذبة للإنسانية، كما تزخر بالثروات المعدنية الضرورية للحضارة.
لكن هذه العظمة ليست أبدية. فالتغير المناخي يهددها، وذوبان الغطاء الجليدي في قمم مثل كوتالاش في الإكوادور يفاقم الجفاف ويهدد سبل العيش للناس في السهول البعيدة. ولهذا، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 11 ديسمبر يومًا دوليًا للجبال منذ 2003، لتسليط الضوء على أهميتها وحماية سكانها وموائلها.
الجبال تجمع بين الضخامة والهشاشة، بين القدسية والفائدة. من إيفرست الشاهق الذي يبلغ ارتفاعه 8848 مترًا، إلى جبل كارانداش في روسيا، أقدم كتلة صخرية بعمر 4.2 مليار عام، تحمل كل قمة قصة وتاريخًا فريدًا. وهناك قمم لم تطأها قدم بشر بعد، مثل جانجخار بونسوم في بوتان بارتفاع 7570 مترًا.
في بعض الدول، مثل بوليفيا وبوتان ونيبال، تسيطر الجبال على معظم الأراضي، مشكّلة هوية وثقافة السكان، بينما تتجاوز قيمتها المادية لتصبح رمزية وروحية وجمالية، ملهمة للأدب والفن، ومقدسة في المعتقدات الشعبية.
الجبال أيضًا ديناميكية، تتشكل باستمرار بفعل الزلازل والبراكين والنشاط التكتوني، لتكون لوحات طبيعية حية، حتى على كواكب أخرى، حيث يقف جبل أوليمبوس مونس على المريخ بارتفاع نحو 21 كيلومترًا كأعلى جبل في النظام الشمسي.
يحتفي اليوم الدولي للجبال بدورها الاقتصادي والبيئي والثقافي، مع زيادة المساحات المحمية عالميًا خلال نصف القرن الماضي. فالجبال ليست مجرد مناظر طبيعية، بل عماد الأرض وسقف عالمنا الحي، وحمايتها مسؤولية جماعية لضمان استمرار الحياة كما نعرفها.