تُعد الحساسية الغذائية من أكثر المشكلات الصحية شيوعاً بين الأطفال حول العالم، وغالباً ما تُثير قلق الأهالي لما تسببه من قيود غذائية ومضاعفات صحية قد تكون خطيرة.
لكن مع تطور الأبحاث حول الجهاز المناعي وطريقة تفاعله مع الأطعمة، تغيّر المفهوم الطبي السائد من فكرة تجنب المسببات إلى التعرض المنضبط والمبكر لها، وهو ما أثبت فعاليته في الحد من ظهور الحساسية.
فقد أظهرت دراسة حديثة أجراها مستشفى الأطفال في فيلادلفيا (CHOP) أن تطبيق الإرشادات الغذائية الأمريكية الجديدة — التي تشجع على تقديم أطعمة مثل الفول السوداني والبيض في سن مبكرة — ساهم في تقليل معدلات الحساسية الغذائية بين الأطفال المولودين بعد بدء تنفيذها.
تحول في النهج الطبي
قبل عام 2015، كانت التوصيات تحذر من إدخال الأطعمة المسببة للحساسية قبل سن ثلاث سنوات، خوفاً من إثارة ردود فعل مناعية حادة. لكن تراكم الأدلة العلمية غيّر هذا النهج، لتوصي الجهات الصحية بتقديم هذه الأطعمة مبكراً لمساعدة الجهاز المناعي على التكيف بدلاً من الرفض.
ويقول عالم المناعة ستانيسلاف غابريسيفسكي:
“كان الجميع يتساءل إن كانت هذه التغييرات قد أحدثت فارقاً حقيقياً، والآن لدينا أدلة واضحة تؤكد أن التأثير بدأ فعلاً.”
نتائج ملموسة
حلّل الباحثون بيانات نحو 125 ألف طفل قبل وبعد تطبيق الإرشادات الجديدة، وتبين أن:
حساسية الفول السوداني المرتبطة بالغلوبولين المناعي (IgE) انخفضت من 0.79% إلى 0.45%.
نسبة الحساسية الغذائية عموماً تراجعت من 1.46% إلى 0.93%.
ويترجم ذلك إلى نتيجة ملموسة: من بين كل 200 طفل تم تعريضهم مبكراً للأطعمة المسببة للحساسية، تجنّب طفل واحد الإصابة بها مستقبلاً.
ويؤكد الباحث ديفيد هيل أن:
“التثقيف الغذائي المبكر يمكن أن يُحدث فرقاً حقيقياً، ليس فقط للأطباء، بل أيضاً للأهالي ومقدمي الرعاية.”
تأكيد علمي متزايد
تتسق نتائج الدراسة الأمريكية مع أبحاث أسترالية سابقة بيّنت أن إدخال الفول السوداني والبيض بعمر ستة أشهر يقلل بشكل كبير خطر الحساسية، مستندةً إلى تجربة علمية معروفة باسم LEAP، التي جرى توسيعها عام 2021 لتشمل أنواعاً أخرى من الحساسية.
ورغم أن هذه التوصيات لم تُعتمد عالمياً بعد، يرى الباحثون أن المؤشرات الإيجابية المبكرة تشجع على تبنّي النهج الجديد، مع الدعوة إلى إجراء دراسات أطول وأوسع لتحديد أفضل توقيت وجرعة للتعرض الغذائي المبكر.
نُشرت نتائج الدراسة في مجلة طب الأطفال (Pediatrics).