الدماغ البشري

كشفت دراسة حديثة أن العلماء باتوا قادرين على قياس سرعة شيخوخة الجسم من خلال صورة واحدة فقط للدماغ باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، وذلك بحسب ما أفاد به موقع “Live Science” نقلًا عن دورية Nature Aging.

مقياس جديد للشيخوخة البيولوجية
طوّر باحثون أداة جديدة تعتمد على صور الدماغ لتحديد مدى تقدم الإنسان في العمر بيولوجيًا، إذ تتيح هذه التقنية التنبؤ بمخاطر الإصابة بمشكلات صحية مستقبلية مثل ضعف الإدراك، والخرف، وأمراض القلب، والضعف الجسدي، بل وحتى الوفاة المبكرة.

ويوضح الدكتور أحمد الحريري، أستاذ علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة ديوك والباحث الرئيسي في الدراسة، أن هذا النهج يتيح قياس سرعة الشيخوخة في أي لحظة اعتمادًا على صورة واحدة للدماغ. ويضيف: “التقدم في العمر بوتيرة أسرع يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بعدد من الأمراض مثل السكري، وأمراض القلب، والسكتة الدماغية، والخرف”.

من دنيدن إلى العالم
استندت الدراسة إلى “دراسة دنيدن” الشهيرة، التي تابعت حالة 1037 شخصًا من مدينة دنيدن في نيوزيلندا منذ ولادتهم في أوائل السبعينيات وحتى بلوغهم منتصف العمر. خضع المشاركون خلال هذه الفترة لـ19 تقييمًا صحيًا دوريًا شمل القلب والدماغ والكبد والكلى وغيرها من الأعضاء.

واعتمد الفريق في تطوير أداتهم الجديدة على تحليل صور الرنين المغناطيسي المأخوذة من أدمغة المشاركين في سن الـ45، واستخلصوا منها بيانات تتعلق ببنية الدماغ، مثل حجم وسمك المناطق المختلفة، ونسبة المادة البيضاء إلى المادة الرمادية. وتمت معالجة هذه البيانات باستخدام خوارزمية تعلم آلي.

ربط بيانات الدماغ بعلامات الشيخوخة
لم يكتفِ الباحثون ببيانات الدماغ وحدها، بل قارنوا نتائجهم بمؤشرات أخرى مثل الأداء البدني والإدراكي، والصحة العامة، وحتى ملامح الوجه كالخطوط الدقيقة والتجاعيد. وتبين أن التدهور في هذه الجوانب يرتبط بشيخوخة أسرع. وأُطلق على النموذج الناتج اسم “سرعة دنيدن للشيخوخة المحسوبة من التصوير العصبي” (DunedinPACNI).

مقارنة مع قياسات سابقة
وكان الفريق قد طور سابقًا مقياسًا آخر للشيخوخة يُعرف باسم DunedinPACE، يعتمد على بيانات الإبيجينوم (التغيرات فوق الجينية) في الحمض النووي المأخوذ من عينات دم. ويقيس هذا المقياس مدى التغيرات الكيميائية المرتبطة بالعمر. وأوضح الحريري أن DunedinPACNI يمثل خطوة مهمة، إذ يسمح بتقدير الشيخوخة دون الحاجة إلى عينات دم، بل من خلال صور الدماغ فقط.

اختبار الأداة الجديدة في مجموعات عالمية
لتقييم مدى دقة وتعميم أداتهم الجديدة، اختبر الباحثون DunedinPACNI على قواعد بيانات مختلفة شملت:

42,000 صورة دماغ من البنك الحيوي البريطاني

أكثر من 1,700 صورة من مبادرة التصوير العصبي لمرض ألزهايمر (ADNI)

369 صورة من مشروع BrainLat، الذي يجمع بيانات من خمس دول في أمريكا الجنوبية

وأكد الباحث المشارك إيثان ويتمان من جامعة ديوك أن التحقق من قابلية تعميم النتائج عبر فئات سكانية متنوعة يمثل أولوية قصوى لأبحاث تصوير الدماغ.

نتائج دقيقة وتطبيقات واعدة
أظهرت الأداة الجديدة دقة عالية في قياس الشيخوخة عبر جميع قواعد البيانات المذكورة، وتبيّن أن الأفراد الذين أظهرت صور أدمغتهم سرعة أكبر في الشيخوخة كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والسكتة الدماغية، وأمراض الرئة المزمنة، إضافة إلى ارتفاع خطر الوفاة.

خطوة نحو الطب الشخصي
علّق الدكتور دان هندرسون، طبيب الرعاية الأولية في مستشفى بريغهام أند وومنز وأستاذ الطب في جامعة هارفرد (لم يشارك في الدراسة)، قائلًا إن نجاح النموذج في تحليل بيانات مجموعة BrainLat يُعدّ “إنجازًا كبيرًا”، لأنه يدعم إمكانية تعميم النموذج عالميًا.

وأضاف: “قد تُمهد هذه الأداة الطريق في المستقبل لتحل محل المقاييس الصحية التقليدية، مما يتيح تصميم تدخلات طبية دقيقة لكل مريض على حدة”.

البحث