أشجار الجينكو

تشهد حديقة ستيت كابيتول بارك في ولاية كاليفورنيا الأميركية ظاهرة طبيعية غريبة تجمع بين الجمال والرائحة الكريهة؛ إذ تفوح في أرجاء الحديقة رائحة نفاذة تشبه مزيج الزبدة الفاسدة والقيء، مصدرها أشجار الجينكو ذات الأوراق الذهبية الخلابة.

ومع حلول الخريف، تبدأ هذه الأشجار العريقة بإسقاط أوراقها وبذورها، فيتحول مشهدها الذهبي الآسر إلى تجربة “عطرية” مزعجة لمرتادي الحديقة. ويعود السبب، بحسب الخبراء، إلى مادتين كيميائيتين في قشرة بذور الأشجار الأنثوية تُعرفان باسم حمض البوتيريك، وهي المادة ذاتها المسؤولة عن الرائحة المميزة للقيء.

وتبلغ عمر أشجار الجينكو في الحديقة نحو 75 عاماً، وهي من الأنواع النادرة التي يعود تاريخها إلى أكثر من 270 مليون سنة، أي إلى عصر الديناصورات، ما يجعلها بمثابة “أحفورة حية” لا تزال تنبض بالحياة حتى اليوم.

وللتعامل مع الإزعاج المتزايد، أقدمت السلطات المحلية على تركيب حواجز معدنية حول الأشجار ووضع لافتات تحذيرية كتب عليها “ممنوع قطف ثمار الجينكو”، وذلك بعد شكاوى السكان من انبعاث الروائح القوية وخطورة الانزلاق على الثمار اللزجة المتساقطة.

ورغم كل ذلك، لا تزال هذه الأشجار تحظى بمكانة خاصة لدى عشاق الطبيعة، لما تتمتع به من أوراق مروحية الشكل تتدرج ألوانها من الأخضر الزاهي إلى الذهبي البراق. والمفارقة أن الرائحة التي يصفها البعض بالمقززة تؤدي وظيفة بيولوجية مهمة، إذ تجذب الحيوانات التي تتغذى على الثمار المتعفنة، فتسهم في نشر البذور واستمرار دورة حياة الجينكو منذ ملايين السنين.

ويشير باحثون إلى أن البذور الداخلية لهذه الثمار – بعد إزالة القشرة ذات الرائحة الكريهة – تُستخدم في المطبخ الآسيوي التقليدي كمكوّن غذائي شهي وغني بالعناصر المفيدة.

وهكذا تبقى أشجار الجينكو رمزاً لمفارقات الطبيعة المدهشة، تجمع بين جمالٍ بصري أخّاذ ورائحة نفاذة من الماضي السحيق، تذكيراً بأن أسرار الحياة القديمة لا تزال تحيط بنا حتى اليوم.

البحث