سواء كنت تستخدم زيت الزيتون في السلطة، أو مع الخبز، أو لتحميص الخضراوات، فقد ظل لقرون يُشيد بفوائده الصحية. في اليونان القديمة، وُصف بأنه إكسير الشباب والصحة، ويبدو أن العديد من الدراسات الحديثة أكدت هذا الادعاء، وخلصت إلى أنه يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالأمراض والوفاة المبكرة. في حين كان يُعتقد في البداية أن فوائده الوقائية تعود لكونه جزءًا أساسيًا من النظام الغذائي المتوسطي، تشير الأبحاث الحالية إلى أن زيت الزيتون نفسه له فوائد صحية جوهرية. وقد شهدت أحدث صيحات الصحة واللياقة البدنية على “تيك توك” إضافته إلى القهوة، سكبه على الآيس كريم، وحتى تناوله كمشروب لتعزيز العناية بالبشرة وفقدان الوزن، وفقًا لتقرير صحيفة «التليغراف».
ماذا تُظهر الأبحاث؟
أظهرت عقود من الأبحاث أن اتباع النظام الغذائي المتوسطي، الذي يتضمن تناول ما يصل إلى أربع ملاعق كبيرة من زيت الزيتون يوميًا، يقلل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة. ومع ذلك، كشفت دراسات أحدث أن نصف ملعقة كبيرة فقط من زيت الزيتون (7 غرامات) يوميًا، بغض النظر عن مكونات النظام الغذائي الأخرى، يحمي القلب والدماغ. ارتبطت هذه الكمية بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 14%، وانخفاض احتمال الإصابة بأمراض القلب التاجية بنسبة 18%، مقارنةً بمن لا يتناولونها أبدًا أو نادرًا. جاء ذلك في دراسة أجريت عام 2020 من قبل باحثين في جامعة «هارفارد»، الذين تتبعوا الأنظمة الغذائية لـ93 ألف شخص في الولايات المتحدة لأكثر من عقدين. وكشفت دراسة متابعة أجراها الفريق نفسه عام 2022 أن تناول نصف ملعقة كبيرة يوميًا يقلل أيضًا من خطر الوفاة بمرض باركنسون أو ألزهايمر بنسبة 29%، والخرف بنسبة 28%، والسرطان بنسبة 17%.
يُعتقد أن فوائد زيت الزيتون تعود إلى احتوائه على نسبة عالية من الدهون الأحادية غير المشبعة، الضرورية لخفض مستويات كولسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL)، وهو النوع “الضار” من الكولسترول الذي يزيد من خطر الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية عند ارتفاع تركيزه في الدم. يعتقد العلماء أن صحة القلب لها تأثير إيجابي على حماية الدماغ. بالإضافة إلى ذلك، يتميز زيت الزيتون بخصائص مضادة للالتهابات، بفضل مضادات الأكسدة مثل الأوليوكانثال، التي قارنها العلماء بالإيبوبروفين، وحمض الأوليك الدهني، الذي يقلل من علامات الالتهاب في جميع أنحاء الجسم، وهو مفيد أيضًا لصحة الدماغ.
أفضل طريقة لإضافة زيت الزيتون إلى نظامك الغذائي
يُعد اختيار زيت الزيتون للتتبيلات من أفضل الطرق للاستفادة من فوائده الصحية، وفقًا للخبراء. وكما هو الحال مع جميع أنواع الزيوت، فإن تعريضها لحرارة عالية، سواءً بالقلي أو التحميص، يُحدث تغييرات في تركيبها الكيميائي، بالإضافة إلى نكهتها ومحتواها الغذائي. قال الدكتور ليانغزي تشانغ، من مركز أبحاث الغذاء والصحة في معهد كوادرام: “يتميز زيت الزيتون عادةً بنقطة تدخين منخفضة، ونكهة قوية، ومحتوى عالٍ من مضادات الأكسدة المفيدة للصحة. ويمكن أن تتلف هذه المكونات إلى حد ما بالحرارة.” يبدأ زيت الزيتون بالاحتراق، وفقدان العناصر الغذائية، وإنتاج مركبات ضارة عند درجة حرارة أقل من معظم الزيوت الأخرى، نظرًا لمعالجته بشكل طفيف. تصل درجة تدخين زيت الزيتون البكر والبكر الممتاز إلى ما بين 160 و190 درجة مئوية، بينما يُعتقد أن زيت الزيتون القياسي يتحمل درجات حرارة تتراوح بين 200 و240 درجة مئوية. للمقارنة، يتحمل زيت بذور اللفت درجات حرارة تصل إلى 250 درجة مئوية، بينما يتحمل زيت دوار الشمس درجات حرارة تصل إلى 230 درجة مئوية.
مع ذلك، قالت سام رايس، خبيرة التغذية ومؤلفة كتاب الطبخ الأكثر مبيعًا «مطبخ منتصف العمر» والمدرج في قائمة «صنداي تايمز»، إن زيت الزيتون البكر “ثابت جدًا” حتى درجة حرارة 210 درجات مئوية، مما يعني أنه مناسب لشواء اللحوم والخضراوات حتى هذه الدرجة أو للطهي في مقلاة، والتي عادةً ما تتراوح درجات حرارتها القصوى بين 200 و220 درجة مئوية. وأضافت: “إنه مناسب لمعظم الاستخدامات. السبب الوحيد لاستخدام زيت آخر هو إذا كنت ترغب في نكهة محايدة، وفي هذه الحالة يُعد زيت بذور اللفت المعصور على البارد خيارًا جيدًا.”
الكمية الصحية من زيت الزيتون
أوصت الدكتورة كارمن بيرناس، عالمة التغذية في جامعة «أكسفورد»، بالحد من تناولها إلى ما لا يزيد على أربع ملاعق كبيرة يوميًا، سواءً صلصة أو للتحميص. وقالت: “يتطلب القلي كمية أكبر بكثير من الدهون المضافة، لذا يُفضل تجنبه عمومًا، حتى مع استخدام زيت الزيتون.” وقد لجأ آخرون، سعيًا للاستفادة من فوائد زيت الزيتون، إلى إضافته إلى قهوتهم الصباحية. حتى أن «ستاربكس» انخرطت في هذا التوجه العام الماضي، حيث قدمت ثلاثة مشروبات قهوة ممزوجة بزيت الزيتون البكر الممتاز بعد أن استلهم رئيسها التنفيذي هذه الفكرة أثناء عطلته في إيطاليا. وقالت رايس: “في الحقيقة، لا يهم كيف تتناول زيت الزيتون، فقط تأكد من أنه بكر ممتاز واجعله زيتك اليومي المفضل.”
فوائد زيت الزيتون
يقلل خطر الإصابة بأمراض القلب: يُعد تحسين صحة القلب أحد أكثر الادعاءات الصحية المدعمة بزيت الزيتون. وجُمعت في تجربة رئيسة، تُسمى دراسة «بيريميد»، 7500 شخص في إسبانيا، تتراوح أعمارهم بين 55 و80 عامًا، والذين كانوا مُعرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. بعد خمس سنوات، كان من اتبعوا حمية زيت الزيتون البكر الممتاز أقل عرضة بنسبة 31% للإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية أو الوفاة بسبب مشاكل في القلب، مقارنةً بمن طُلب منهم ببساطة مراقبة تناولهم للدهون.
يقلل الالتهابات: يُعرف زيت الزيتون بأنه مصدر غني بالأوليكانثال، وهو نوع من البوليفينول الذي يعمل مضادًا للأكسدة في الجسم. لقد ثبت أن مادة الأوليوكانثال تعمل بطريقة عمل دواء الإيبوبروفين المضاد للالتهابات. بالإضافة إلى ذلك، رُبط حمض الأوليك الموجود في الزيت بتقليل الالتهاب.
قد يُساعدك على إطالة عمرك: راقبت إحدى دراسات جامعة «هارفارد» 92 ألف شخص في الولايات المتحدة على مدار 28 عامًا، ووجدت أن من تناولوا أكبر كمية من زيت الزيتون (أكثر من نصف ملعقة كبيرة، أو 7 غرامات، يوميًا) انخفض لديهم خطر الوفاة المبكرة بنسبة 19% مقارنةً بمن استخدموه نادرًا أو لم يستخدموه أبدًا. كما كانوا أقل عرضة للوفاة بأمراض القلب أو السرطان أو أمراض الجهاز التنفسي بنسبة الخمس تقريبًا، وأقل عرضة للوفاة بمرض ألزهايمر أو باركنسون بنسبة 29%.
ماذا عن زيوت بذور اللفت ودوار الشمس وجوز الهند؟
الزيوت الأرخص مثل بذور اللفت ودوار الشمس، مثل زيت الزيتون، هي أنواع من الدهون غير المشبعة، وبالتالي يُمكنها خفض الكولسترول. قال الدكتور دوان ميلور، أخصائي التغذية المعتمد في كلية «أستون» الطبية في برمنغهام: “يحتوي زيت بذور اللفت على تركيبة أحماض دهنية مشابهة لزيت الزيتون (ومن المثير للاهتمام أنه يحتوي على نسبة أقل من الدهون المشبعة). وعند عصره، قد يحتوي أيضًا على مضادات أكسدة تُساعد في حفظ الزيت، وقد يكون له فوائد صحية.” ويُصنع زيت اللفت من نباتات اللفت، وهو أرخص عمومًا من زيت الزيتون، ولكنه يفتقر إلى النكهة، لذلك “ليس من الجيد إضافته إلى السلطات”. مع ذلك، يُشير إلى أنه يتحمل درجات الحرارة العالية من دون أن يفقد مضادات الأكسدة.
وأضاف ميلور: “يُفضل استخدام زيت الزيتون البكر الممتاز صلصة، بينما تُفضل زيوت مثل زيت بذور اللفت عند الطهي على درجة حرارة أعلى. يتعلق الأمر باستخدام كمية مناسبة من دهون الطهي بكمية معتدلة للطبق الذي تُحضّره.” ويُعد زيت دوار الشمس خيارًا أرخص، وهو مصنوع من عصر بذور دوار الشمس، وهو غني بفيتامين «E» و«أوميغا 3». على الرغم من الارتفاع الكبير في الطلب على زيت جوز الهند في السنوات الأخيرة، فإنه غني جدًا بالدهون المشبعة، حيث يحتوي على نسبة أعلى من الزبدة، مما قد يزيد من مستويات الكولسترول «الضار» وخطر الإصابة بأمراض القلب. نتيجةً لذلك، ينصح بعض خبراء التغذية باستخدامه باعتدال، إن وُجد. وبالنسبة لمن يراقبون أوزانهم، فإن الاعتدال هو الخيار الأمثل دائمًا، بغض النظر عن نوع الزيت المستخدم. أشارت الدكتورة بيرناس إلى أنه على الرغم من فوائد زيت الزيتون الصحية، فإنه يُعدّ دهونًا مضافة. وأوضحت أنه “بالنسبة لمن يحتاجون إلى نظام غذائي قليل الدهون أو منخفض السعرات الحرارية، يجب الحد من استخدام زيت الزيتون وأي دهون أخرى.”