صندوق النقد

كتبت باتريسيا جلّاد في “نداء الوطن”:

يستعدّ فريق من صندوق النقد الدولي لزيارة لبنان يوم الإثنين المقبل لمواصلة المفاوضات حول برنامج الإصلاح الشامل ومواجهة التحدّيات الاقتصادية الكبرى. تأتي هذه الخطوة في ظلّ توقعات بانكماش الاقتصاد اللبناني بنسبة 7.5 % في 2024 بسبب الحرب الإسرائيلية، بعد عام من الانكماش بنسبة بسيطة في 2023. ما هو هدف الزيارة وما جديدها وماذا حقّق لبنان من لائحة الإصلاحات المطلوبة؟

يعتبر صندوق النقد الدولي أن التحدّيات التي تواجهها الحكومة اللبنانية تنقسم إلى أربع نقاط أولًا إعادة الإعمار، ثانيًا، إعداد برنامج إصلاحي شامل، ثالثًا توفير التمويل اللازم للإصلاحات، ورابعًا تقييم وضع المصارف وتحديد حجم الخسائر.

بالنسبة إلى إعادة الإعمار، يرى صندوق النقد الدولي أنه يترتب على لبنان أن يبذل جهدًا دوليًا موحّدًا ودعمًا ميسّرًا من الشركاء الخارجيين. برنامج الإصلاح الشامل، يشمل مزيجًا من السياسات المالية، والإصلاحات الهيكلية، والتمويل الخارجي بهدف حماية المودعين وتحقيق استقرار القطاع المالي. أمّا تمويل الإصلاح، فلن يقتصر على صندوق النقد الدولي، بل يشمل المجتمع الدولي الأوسع، وتحديد حجم التمويل الخارجي وهو جزء من النقاش الجاري.

حول قطاع المصارف والخسائر، يجري تقييم وضع المصارف المحلية لتحديد حجم الخسائر وكيفية توزيعها ضمن برنامج الإصلاح. كلّ ذلك يتمّ في جوّ من التواصل واللقاءات المستمرّة بين الصندوق والدولة اللبنانية لا سيّما وزارتي الاقتصاد والمال تمهيدًا لإقرار برنامج إصلاحيّ رسميًا.

هذا ما أوجزته مديرة إدارة التواصل في صندوق النقد الدولي جولي كوزاك في كلمة لها منذ أيام، مؤكّدة أن فريق الـ «صندوق» منخرط بشكل جدّي جدًا مع السلطات اللبنانية. وجزء من المناقشات – (التي ستتمّ فور زيارة وفد الصندوق في نهاية الشهر برئاسة إرنستو راميريز ريغو)- يتعلّق بالحصول على صورة شاملة عن الوضع، ليس فقط على مستوى الاقتصاد الحقيقي، أي وضع الشركات والمستهلكين، بل أيضًا وبشكل أساسي وضع القطاع المالي. إذًا هذه النقاشات لا تزال جارية، وحلّ هذه القضايا سيكون جزءًا أساسيًا من برنامج الإصلاح الشامل الجاري التباحث بشأنه.

قانون الفجوة المالية

كانت تلك وجهة نظر صندوق النقد الدولي في ما يتعلّق بزيارته إلى لبنان ومستوى النقاشات التي وصل إليها، علمًا أن رئيس الوفد ريغو كان أعلن في زيارته الأخيرة أنه يأمل من الحكومة اللبنانية تعديل قانون السرية المصرفية الذي أقرّته الحكومة في نيسان 2025، وإقرار قوانين إعادة هيكلة المصارف وقد أقرّته لجنة المال والموازنة في 28 تمّوز 2025 (لتحديد آلية التعامل مع المصارف المتعثّرة مثل التصفية أو فرض إدارة موقتة أو إعادة رسملتها، فتمّ إنشاء هيئة مصرفية عليا مستقلة لاتخاذ تلك القرارات مع تعزيز دور لجنة الرقابة على المصارف في التدقيق والتوصية بالإجراءات المناسبة)، فضلًا عن إقرار قانون الانتظام المالي أو الفجوة المالية الذي لا يزال قيد شدّ الحبال.

بالنسبة إلى مشروع قانون الفجوة المالية المرتبط به قانون إصلاح المصارف باعتباره الأساس في توزيع المسؤوليات ومسار إعادة الأموال إلى المودعين ولو جزئيًا، وبوسائل مختلفة كأن تكون من خلال أسهم أو سندات… للحسابات الكبيرة، فإن ملامحه بدأت تتظهّر إلى العلن لتدوير زواياه والتوافق حوله، إلّا أن إقراره ليس وشيكًا من مجلس النوّاب، وإن وافق مجلس الوزراء على بنوده، التي لا تزال قابلة للتعديلات والتأويلات.

ويقول مصدر مالي لـ «نداء الوطن» إنه «حتى لو لم يقرّ قانون الفجوة المالية أو الانتظام المالي قبل عودة فريق صندوق النقد إلى لبنان، جلّ ما يهمّ الصندوق أن العمل والتنسيق معه على قدم وساق والنقطة الأبرز استمرار الوفاق وعدم وجود خلافات بين أصحاب القرار اللبنانيين والانجرار إلى باب مسدود يحول دون إقرار القانون».

مصدر مطّلع على مسار المفاوضات بين الوزارات المعنية والصندوق، قال لـ «نداء الوطن» إن «زيارة وفد صندوق النقد تأتي في نطاق الزيارة الدولية لمتابعة البنود الإصلاحية المطلوبة من الدولة اللبنانية، أكثر من عرض أمور جديدة على طاولة النقاشات، مؤكّدًا أن الصندوق يقدّم المساعدة التقنية والفنيّة والدعم في أكثر من اتجاه».

فائض في الموازنة

يساعد صندوق النقد الدولة اللبنانية بالدرجة الأولى على إعداد وتطبيق الموازنة مع تفادي أيّ عجز، مع الحرص على تحقيق بعض الفوائض حتى ولو كان بسيطًا. ويقول المصدر إن الدولة «تعتاد على أن تكون إيراداتها أعلى من نفقاتها في الموازنة. وهذه نقطة محوريّة أساسية، إذ إن الموازنة تعتبر هاجس صندوق النقد الأساسي لأن أيّ خلل يكون منبعه العجز في الموازنة ويجرّ معه مشاكل نقدية ومالية وحتى اقتصادية».

يولي الصندوق اهتمامًا خاصًا بالمسؤولية الملقاة على مصرف لبنان والدولة في ظلّ الأزمة المالية والنقدية الحالية. ووفق المادة 113 من قانون النقد والتسليف، يُقسّم الربح الصافي لمصرف لبنان بين الاحتياطي العام والخزينة، مع تغطية أي عجز من الاحتياطي أوّلًا، ثم من الخزينة إذا لم يكفِ الاحتياطي.

اعتراف الدولة بدينها مستبعد

وأوضح المصدر أن تحديد التزامات الخزينة لدعم ورسملة مصرف لبنان مرتبط باستدامة الدين (Debt Sustainability)، سواء أكان هناك اعتراف رسمي بدين الدولة لمصلحة المصرف البالغ 16.5 مليار دولار أم لا، مشيرًا إلى أن الاعتراف بهذا الدين مستبعد لغياب سند قانوني رسميّ. ويؤكّد صندوق النقد أن أي دعم يجب أن يحقق فائضًا في الموازنة وأن يبقى حجم الدين العام إلى الناتج المحلي ضمن حدود مقبولة (حوالى 50 %) لضمان قدرة الدولة على خدمة الدين.

البحث