في عالم اليوم، يواجه الآباء تحدياً جديداً يتمثل في تعليم أطفالهم كيفية حماية خصوصيتهم في عالمٍ يمكن فيه تسجيل كل حركة أو تصرف، وتحويله إلى مادة دائمة يمكن تداولها. بينما استوعب الجيل السابق هذه المسائل بشكل طبيعي، فإن الأجيال الجديدة تحتاج إلى توجيه ومساعدة في هذا السياق.
ورغم أن مخاطر الرسائل الجنسية ليست بالأمر الجديد، إلا أن تهديدات مثل التزييف العميق باستخدام الذكاء الاصطناعي، وسرقة الهوية الرقمية، والابتزاز الجنسي للحصول على المال أصبحت تستهدف القاصرين بشكل متزايد، ما يستدعي القلق.
ويشير تقرير لمجلة “تايم” الأميركية إلى أن بحلول عام 2030، ستشكل عمليات “مشاركة البيانات”، أي الإفراط في مشاركة الآباء لحياة أطفالهم عبر الإنترنت، ما يُقدّر بنحو ثلثي حالات سرقة الهوية. ويؤكد التقرير أن تهديدات الخصوصية ليست مجرد فرضيات نظرية، بل هي مخاطر حقيقية تشكل المستقبل الرقمي للأطفال.
خطوات لحماية الخصوصية
من بين الخطوات التي يوصي بها التقرير، البدء بتغطية كاميرات الويب على جميع أجهزة الكمبيوتر داخل المنزل. يُعد هذا الإجراء بسيطاً ولكنه يوفر حماية قوية ضد اختراقات كاميرات الويب، وهي مشكلة تتزايد بشكل ملحوظ.
بعد ذلك، ينبغي للآباء البحث عن الأجهزة والمنصات التي توفر أدوات حماية خصوصية للأطفال. على الرغم من أن الشركات الكبرى تقدم منتجات صديقة للخصوصية، إلا أنه من الضروري تخصيص بعض الوقت لمراجعة وضبط إعدادات الخصوصية على الأجهزة وحسابات التواصل الاجتماعي. من المفيد أيضاً إعداد تنبيهات على “غوغل” لاسم الطفل أو عنوان بريده الإلكتروني، حتى يتمكن الآباء من متابعة أي تسريب محتمل للمعلومات الشخصية.
أهمية الحوار الجاد
رغم أن الفلاتر وبرامج المراقبة تساعد في الحماية، فإن الحوار الصريح والمفتوح حول الخصوصية يظل أساسياً. الأزمة الحالية تتطلب نوعاً جديداً من الشراكة بين الآباء والأبناء، مبني على نقاش صادق وتفكير عملي. من المهم أن يتقبل الآباء أن مفهوم الخصوصية الذي تمتعوا به في طفولتهم لم يعد ممكناً، وأن المستقبل يتطلب أساليب جديدة للتعامل مع هذه القضايا.
التحكم في البصمة الرقمية
في العصر الرقمي، يعيش الأطفال اليوم كأفراد حقيقيين وأفراد رقمين في آنٍ واحد. ومن المهم أن يدرك الأطفال أن السيطرة على بصمتهم الرقمية تعني بالضرورة السيطرة على حياتهم الاجتماعية والمهنية المستقبلية. يجب أن يتعلموا أن كل معلومة على الإنترنت – سواء تم نشرها من قبلهم أو من قبل الآخرين – يمكن أن تؤثر على حياتهم بطرق مختلفة.
ويشدد التقرير على أن الهدف ليس جعل الأطفال يشعرون بالريبة تجاه الإنترنت، بل تمكينهم من التحكم في سمعتهم الرقمية، وتعريف أنفسهم بطريقة إيجابية على الإنترنت.
وتوصي الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال بوضع “خطة استخدام عائلية لوسائل الإعلام” تساعد في تحديد قيم العائلة المتعلقة بالخصوصية والتكنولوجيا. ويجب أن يهدف الآباء إلى تعليم أطفالهم التفكير الواعي عند المشاركة في المعلومات عبر الإنترنت، مع تشجيعهم على احترام خصوصية الآخرين.
ومن الأهمية بمكان أن يتعلم الأطفال كيفية التصرف عند حدوث انتهاك للخصوصية أو عندما يشعرون أن هناك شيئاً غير صحيح. إذا اكتشف الآباء أو الأطفال مشكلات مبكراً، فإنها تكون أسهل في التعامل معها. وينبغي للآباء أيضاً أن يعرفوا كيفية التصرف إذا تم تسريب بيانات أطفالهم أو تم استغلالها.
ويشير التقرير إلى أن القانون الفيدرالي الأميركي يوفر حماية قوية للأطفال دون سن 13 عاماً بموجب قانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت، إلا أن هذه الحماية تتناقص بشكل كبير بعد سن 13 عاماً.
وفي الختام، يؤكد التقرير أنه لا يوجد مسار مثالي للتعامل مع تحديات الخصوصية الرقمية، حيث يختلف المسار الذي تسلكه كل عائلة بناءً على قيمها الخاصة ومستوى راحتها مع التكنولوجيا. إلا أن الأهم هو أخذ الخصوصية على محمل الجد، وتعليم الأطفال أهمية السيطرة على بياناتهم الرقمية، مهما كانت الأساليب التي تتبعها العائلة.