جاء في الجمهورية:
ما لم تحدث أي مفاجأة غير محسوبة أو متوقعة، وإذا ما بقيت الشياطين مضبوطة وممنوعة من التدخّل في التفاصيل، وإذا ما صدقت التقديرات، يُنتظر أن يُصدر مجلس الوزراء اليوم سلّة التعيينات العسكرية والأمنية. وإذا كانت هذه التعيينات تمنح انطلاقة العهد الرئاسي قوة دفع اضافية، فقد تبدّت في موازاتها قوة دفع لا تقل زخماً، تجلّت في حضور الملف المالي على مائدة التحريك الإيجابي، مع ما بدت انّها انطلاقة واعدة مع صندوق النقد الدولي تمهّد إلى إعادة إطلاق ما وُصفت بمفاوضات جدّية وحاسمة معه وفق رؤية وضعها لخارج لبنان من أزمته، توازيها اختراقات نوعية في مجال الإصلاحات الضرورية والملحّة تضع لبنان فعلياً على سكة التعافي.
جرعات
مع طي هذه الصفحة يفترض أن تتفرّغ الحكومة لإثبات صدقية التزاماتها بتحقيق ما وصفتها «الإنجازات»، وقدرتها قبل كل شيء، ليس على تأكيد إرادتها بإجراء الإصلاحات المطالب بها داخلياً وخارجياً، وليس على تحديد ابواب الإصلاح، ورسم خريطة تطبيق نظرية لها، بل قدرتها اولاً، على امتلاك مفاتيح تلك الابواب، وثانياً، الولوج منها إلى اصلاحات جدّية عادلة، وموضوعية وعقلانية، وتفتح أبواب السجون للفاسدين والمفسدين وكل المرتكبين، من دون ضغوط ومداخلات وحمايات هنا وهناك؟
فالتعيينات الأمنيّة، وفق ما أبلغت مصادر وزارية إلى «الجمهورية»، تعدّ نقطة في بحر الشغور الواسع الممتد على مساحة مئات من المراكز الوظيفية من كل الفئات، حيث هناك 47 مركزاً شاغراً في الفئة الأولى، موزعة: 13 مركزاً للموارنة، 14 للسنّة، 7 للشيعة، 3 دروز، 4 روم ارثوذكس، 5 كاثوليك، 1 أرمن كاثوليك. اما سائر الفئات، فمن اصل 600 مركز وظيفي في الفئتين الثانية والثالثة، هناك ما يزيد على 270 مركزاً شاغراً.
وأكّدت المصادر انّ بتّ التعيينات جميعها لا يتمّ بين ليلة وضحاها، بل تتطلّب وقتاً طويلاً جداً ربما اشهراً، وحسمها دفعة واحدة يتطلّب تفرّغاً كلياً لها، وهذا أمر لا يستوي مع الملفات الاخرى التي تتطلّب مواكبة حكومية وإجراءات وعلاجات عاجلة، ومن هنا فإنّ الحكومة ستعجّل في الأمر على جرعات متتالية، والقاعدة الأساس الخضوع لمعيار الكفاءة والجدارة والنزاهة والرجل المناسب في المكان المناسب.
ورداً على سؤال حول آلية التعيينات، قالت المصادر «انّ الحكومة في مجال التعيينات لن تكرّر ما كان معمولاً به في السابق لجهة المحاصصة وتجاوز الكفاءات لمصلحة المحسوبيات. فرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يؤكّدان على هذا الأمر بشكل متواصل بأنّ الوصول إلى دولة نظيفة بما لهذه الكلمة من معنى، ودولة متقدّمة، يوجب وضع الأكفأ والأكثر جدارة في الوظيفة والمسؤولية. واما حول الآلية، فلمّحت المصادر إلى الدور الأساسي المنوط بمجلس الخدمة المدنية في هذا الأمر.
إلى ذلك، أكّدت مصادر سياسية أنّ حسم التعيينات الأمنية والعسكرية مطلب يتشارك فيه الجميع، وارتداداته مريحة على مختلف الصعد، لافتة إلى أنّ من الطبيعي ان يعوّل العهد الرئاسي على هذه التعيينات بوصفها مرتبطة بالمهام الحساسة والدقيقة التي تنتظرها، سواء على مستوى الأمن الداخلي وترسيخه بصورة شاملة ومطمئنة لجميع اللبنانيين، او على مستوى الحدود من الجنوب في ظل الاعتداءات الاسرائيلية وخروقاتها المتواصلة للقرار 1701، واتفاق وقف اطلاق النار، وصولاً إلى البقاع والشمال في ظل ما تشهده من تطورات في الجانب السوري، وما قد يتأتى منها من مخاطر على لبنان، سواء عبر عمليات التهريب، او عبر تسلّل المجموعات المتطرفة والارهابية في اتجاه لبنان.
ولفتت المصادر إلى انّه «صحيح أنّ التعيينات مطلب شامل، ولا بدّ من حسمها، ولاسيما منها التعيينات الأمنية الأكثر من ضرورية، الّا انّ العبرة تبقى في توفير الدعم للجيش والأجهزة والمؤسسات الأمنية لتمكينها من أداء دورها ومهماتها كما يجب. ولا شيء مطلوباً اكثر من ذلك، حيث انّ التراخي في هذا الامر وعدم الإيفاء بالوعود والالتزامات العربية والدولية حول دعم الجيش تحديداً، لن يؤدي إلى التقدّم ولو خطوة واحدة إلى الأمام، ويجعل كل كلام عن ضبط الحدود ومنع الفلتان الأمني والإشكالات ومنع التهريب ومحاربة الإرهاب وحفظ وحدة الأراضي اللبنانية وتطبيق القرارات الدولية واحترام اتفاق الهدنة ومنع الاعتداءات الاسرائيلية، كلاماً بلا أي معنى».