الجيش اللبناني

كتب ابراهيم بيرم في “النهار”:

قبل نحو 36 ساعة عاشت الضاحية الجنوبية على صدى أنباء عن كشف الأمن العام أفراد خلية نائمة أعدها تنظيم “داعش” وأدخلها إلى عمق الضاحية الجنوبية، وتحديدا إلى منطقة شديدة الاكتظاظ في حي الجورة الشعبي في محلة برج البراجنة، وتضم سبعة عناصر جميعهم سوريون.

واكتسب النبأ صفة الحدث عندما تعاملت معه أوساط إعلام اعتادت أن تستقي معلوماتها من مصادر “حزب الله”، بقدر عال من الجدية والتفصيل. فالخلية المكتشفة، وفق رواية هذه الأوساط، أُعدّت ودُفعت إلى الضاحية لـ”تنفيذ مخطط تفجيرات متزامن مع مجالس عاشوراء”، وهذا يعني أن العناصر المضبوطة تسللت إلى عمق الضاحية لإنفاذ أمر عمليات عاجل. وضبطت مع الخلية كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر والمواد المتفجرة، فضلا عن أن أفرادها زُوّدوا نظام اتصالات حديثا.

واللافت أيضا في تفاصيل الرواية أن ثمة من بث فيديو يبيّن عملية دهم مقر الشبكة من داخله ومحيطه، وهو ما يقصد منه تثبيت الرواية ودحض أي تشكيك فيها.

هذا الكمّ من المعلومات والتفاصيل عن الخلية شاع سريعا وفي وقت قياسي، على رغم أنه لم يكن قد مضى على عملية الدهم والكشف أقل من ساعتين، وهي فترة غير كافية لتكوين ملف أمني على قدر من الدقة والصحة.

وقد أثار الأمر موجة استغراب وتشكيك حتى في الأوساط الإعلامية للضاحية الجنوبية، وصلت إلى حد رفض الرواية والاستنتاجات المصاحبة باعتبارها غير مقنعة، وخصوصا أن الأجهزة الرسمية المعنية قدّمت رواية مقتضبة جدا، في حين أن الجهات المعنية في “حزب الله” لم تكلّف نفسها تقديم أي رواية تقطع الشك باليقين.

لذا ثمة من سارع إلى وضع المسألة من ألِفها إلى يائها في سياق واحد يتصل برواية اعتقال الأجهزة اللبنانية الرسمية “والي داعش” الموفد حديثا إلى لبنان بمهمة “بناء هيكيلة تنظيمية عنقودية للتنظيم” تكون مستعدة لأداء مهمات أمنية معينة في الساحة اللبنانية غبّ الطلب وعند الحاجة، وهو واقع يقود وفق ما يقول خبير استراتيجي معني، إلى استنتاجين:

الأول التهويل بعودة موسم التفجيرات والتوتير الأمني إلى الساحة اللبنانية، والذي شهد ازدهارا كبيرا في الأعوام الثلاثة الأولى من اندلاع المواجهات في سوريا وولوج “حزب الله” الميدان إلى جانب النظام آنذاك، وهي عمليات اتصفت بالضراوة والدموية وكانت الضاحية مسرحها الأساسي، حيث سقط من جرائها ما لا يقلّ عن 500 شخص بين قتيل ومصاب.

الثاني أن ثمة جهات وأشخاصا يهمّهم في المرحلة الراهنة تعزيز سردية “الصفيح الداخلي الدائم السخونة”، أي القاعدة الجاهزة لتكون مسرح عمليات، وفق تعبير الخبير الإستراتيجي، فيتم توظيفها في خدمة الرؤية السياسية.

ويقارب “حزب الله” حدث خلية الضاحية، سواء كان جديا أو مضخّما، على أنه جزء من مسلسل “التهويل والتخويف” الذي يمارس عليه منذ زمن، وتصاعد أخيرا، وكانت محطته الأولى انتشار الحديث عن احتمال إطلاق إسرائيل عملية عسكرية جديدة في اتجاه الجنوب لضرب ما تبقى من أوراق قوة عند الحزب، إذا ما بقي مصرّا على الاحتفاظ بسلاحه. أما محطته الثانية فهي الحديث المتعاظم عن حشود عسكرية سورية على الحدود الشرقية للبنان استعدادا لعمل بري نحو البقاع الشرقي.

ووفق الخبير عينه، فإن المناخ السياسي والعسكري المحتقن يشجع على سريان هذه السيناريوات الأمنية بصرف النظر عن درجة جديتها، وفي الوقت نفسه تلبّي هذه الروايات المتوترة بطبيعة الحال حاجة كل الأطراف المتصارعة إليها، فالحزب سيتخذها مادة لشد عصب جمهوره وليعطي تمسكه بسلاحه مبررا، من خلال الدلالة على “تعاظم المخاطر” المحيطة به.

وبين هاتين الرؤيتين المضادتين ثمة مكان لرؤية ثالثة تنطلق من نظرية أن لبنان لم يعد كما في الماضي بلا سقف، لكونه يضم عناصر شغب، فتلك نظرية سقطت بعد سريان اتفاق وقف النار، وصار له سقف وحام لا يسمح بإعادة عجلة الزمن إلى الوراء.

البحث