انتخابات لبنان

كتبت بولا أسطيح في الشرق الأوسط:

تنشغل الأحزاب وخبراء الإحصاءات في لبنان هذه الأيام بمحاولة تفسير تراجع حماسة اللبنانيين للمشاركة في الانتخابات البلدية (المحلية)؛ إذ أظهرت الانتخابات في كل المحافظات، وكانت محطتها الأخيرة في جنوب لبنان الأحد، تراجعاً بمعدل تراوحت نسبته بين 10 و11 في المائة عن الانتخابات التي أُجريت في عام 2016.

السلطات اللبنانية تتغنى بإنجازها هذا الاستحقاق الذي أرجئ 3 مرات؛ إذ ينص القانون على تنظيم الانتخابات البلدية والاختيارية كل 6 سنوات، إلا أن التأجيل كانت له أسباب متأتية من الأزمات المتتالية التي عصفت بالبلاد منذ 2018؛ من تحركات شعبية عارمة، وانهيار مالي واقتصادي، مروراً بجائحة «كورونا»، وصولاً إلى الحرب الإسرائيلية الأخيرة. وهذه الأسباب أدت أيضاً إلى هجرة كبيرة جداً للبنانيين.

وللمفارقة، فإن الإقبال على الترشح بدا لافتاً في ارتفاعه، وقابله انخفاض في الإقبال على الاقتراع من أسماء الناخبين (الناخب من بلغ 21 عاماً) المدرجين على لوائح الشطب؛ ما حتّم على الأحزاب بدء عملية تدقيق في الأسباب الكامنة وراء ذلك لمحاولة معالجتها قبل الانتخابات النيابية المرتقبة في مايو (أيار) 2026.

ماذا تقول الأرقام؟

«الشرق الأوسط» حملت هذه الأسئلة إلى الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، فأجاب موضحاً أن «عدد الناخبين على لوائح الشطب يبلغ 4 ملايين و70 ألفاً» (هم من المقيمين والمغتربين)، مشيراً إلى أن «النسبة الإجمالية لتراجع نسبة المقترعين بين عامَي 2016 و2025 تتراوح بين 10 و11 في المائة».

ويفصّل شمس الدين الأرقام بحسب المحافظات كالآتي: انخفضت نسبة الاقتراع في جبل لبنان من 56 في المائة إلى 45 في المائة. لبنان الشمالي انخفضت النسبة من 39 في المائة إلى 37 في المائة. عكار من 61 في المائة إلى 49 في المائة. بعلبك – الهرمل (شرق لبنان) من 56 في المائة إلى 45 في المائة. الجنوب ومثلها النبطية من 48.15 في المائة إلى 36.94 في المائة. أما في بيروت فبقيت النسب متقاربة بين الاستحقاقين؛ إذ وصلت هذا العام إلى 21.4 في المائة مقارنة بـ20 في المائة في الانتخابات الماضية.

وعن الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع، يقول شمس الدين: «هناك أسباب عدة: أوّلها الهجرة؛ إذ هاجر منذ 2016 حتى يومنا هذا 625 ألف لبناني؛ أي ما يشكل نحو 10 في المائة من اللبنانيين. وثانيها فوز عدد كبير من البلديات بالتزكية، أو أن المنافسة في عشرات البلديات كانت شبه باردة ومحصورة بين لائحة ومرشح أو مرشحين، وبالتالي لا معركة فعلية. وثالث الأسباب الوضع الاقتصادي الصعب والمختلف تماماً عما كان عليه عام 2016 (حينها كان الدولار يساوي 1500 ليرة، واليوم نحو 90 ألفاً)، في حين أن اليوم يتجنب كثير من الناخبين تكاليف التنقل من المدن، خصوصاً بيروت، إلى قراهم من أجل المشاركة في الانتخابات البلدية، بخلاف الانتخابات النيابية التي يوفر خلالها المرشحون وسائل نقل لناخبيهم».

ويستبعد شمس الدين أن ينسحب التراجع في نسب الاقتراع على الانتخابات النيابية عام 2026؛ إذ «يُحكى عن معارك كسر عظم مرتقبة، أضف أنه عادة ما يكون هناك إنفاق مالي يسمح بانتقال الناخبين من أماكن سكنهم إلى أماكن قيدهم… وإذا تم اعتماد (الميغاسنتر) فعندها حتماً سترتفع نسب الاقتراع».

«كيف نحاسب؟»

وهذا ما تؤكده لارا مراد (34 عاماً) التي أصبحت تنتخب في إحدى قرى البقاع بعد زواجها قبل 6 سنوات، إلا أنها لا تفكر إطلاقاً في التوجه إلى صناديق الاقتراع في البقاع؛ لأنها أصلاً تعيش في العاصمة بيروت ولا تعرف أحداً هناك. وتقول مراد لـ«الشرق الأوسط» إنها وكثيرين مثلها يطالبون بنظام انتخابي يسمح لهم بالتصويت للمرشحين في المدن والبلدات التي يعيشون فيها، وتضيف: «ألا يُفترض أن نحاسب عند كل استحقاق من صوتنا لهم قبل 6 سنوات، فإما نعيد انتخابهم في حال نجحوا في مهامهم، أو نصوت لسواهم في حال أخفقوا؟! فما دمنا لا نعرف المرشحين ولا نواكبهم لا معنى لاقتراعنا».

تغيير نظام الانتخاب

من جهته، يرى الناشط السياسي المحامي أنطوان نصر الله أن «نسب الاقتراع راهناً تُعتبر متدنية جداً. فبعد 9 سنوات، ومع عهد جديد وآمال جديدة، كان يُفترض أن تكون النسب مرتفعة. كما أنه تاريخياً نسب الاقتراع في الانتخابات البلدية تكون أعلى من تلك النيابية، باعتبار أننا نتحدث أيضاً عن انتخابات المخاتير وليس فقط المجالس البلدية، وهؤلاء يكونون على تواصل يومي مع الناس».

ويشير نصر الله في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «إلى جانب الهجرة التي تُعتبر عاملاً أساسياً لتراجع نسب الاقتراع بعد ارتفاع نسبة اللبنانيين الذين تركوا لبنان بشكل كبير، فإن غياب الأمل بأي تغيير،

كما أن عدم إعداد أشخاص أَكْفاء لخوض الانتخابات البلدية، والاعتماد بشكل كبير على العائلات… كلها عوامل أدت لتراجع نسب الاقتراع»، مضيفاً: «كما أن عدم الحماسة لا تطول مكوناً طائفياً دون آخر… لذلك الحل يكون بتغيير نظام الانتخاب، بحيث يكون الناخب يعرف المرشحين كي يتشجع للمشاركة في عملية الاقتراع».

البحث