زنزانة

بينما كان العالم يحتفي في العاشر من ديسمبر 1901 بالذكرى الخامسة لرحيل ألفريد نوبل، شهدت قاعة الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم حدثًا سيبقى محفورًا في ذاكرة الثقافة العالمية: توزيع أولى جوائز نوبل، التي أراد لها مخترع الديناميت أن تكرّم من قدّموا “أعظم فائدة للإنسانية”. وقد حصد الرواد الأوائل جوائز الفيزياء والكيمياء والطب، لكن جائزة الأدب كانت الشرارة الأولى لجدل كبير سيلازم تاريخ نوبل حتى اليوم.

فقد مُنحت جائزة الأدب للشاعر الفرنسي سولي برودوم، وهو اسم لم يكن حاضرًا بقوة في الأوساط الأدبية العالمية آنذاك، بينما كان كثيرون يرون أن ليو تولستوي هو الأحق بهذا المجد؛ العملاق الذي تصنع أعماله مثل “الحرب والسلام” و”آنا كارينينا” وجديده آنذاك “القيامة” ملامح الأدب العالمي. أثار القرار غضبًا واسعًا، لدرجة أن كتّابًا وفنانين سويديين وقعوا رسالة احتجاجية تطالب بإنصاف تولستوي، لكن الأكاديمية السويدية تمسكت باختيارها، مبررة ذلك بأن تولستوي يرفض الحضارة الحديثة ويميل إلى العزلة، وهو موقف أيديولوجي أثار انتقادات عديدة.

ورغم ترشيحه لاحقًا لعدة أعوام، فقد ابتعد تولستوي عن الجائزة بنفسه حين رفض ترشيحه عام 1906، ساخرًا بأنه مرتاح من التفكير في كيفية التصرف بالجائزة المالية، مؤكدًا أن تعاطف الجمهور معه هو الجائزة الأهم.

لكن تاريخ نوبل سيعرف لاحقًا قصة أكثر غرابة: رجل محكوم عليه بالإعدام رُشح للجائزة تسع مرات.

في عام 2000، رشح النائب السويسري ماريو فهر ستانلي “توكي” ويليامز لجائزة نوبل للسلام ثم للأدب. كان ويليامز أحد مؤسسي عصابة “كريبس” العنيفة في لوس أنجلوس، وأدين بجرائم قتل وحُكم عليه بالإعدام عام 1981. لكن داخل زنزانته تحوّل إلى كاتب ومصلح، فأصدر كتب أطفال مؤثرة، وشارك في برامج توعوية، وساهم في جهود لوقف العنف بين العصابات. لقد جمع بين نقيضين: مؤسس عصابة دموية، وكاتب يسعى لإنقاذ أطفال من المصير نفسه.

ورغم ترشيحه تسع مرات، لم يفز بالجائزة، لكنه نال “جائزة الشعور بالواجب” عام 2005. ومع ذلك، لم يُعفَ من مصيره، فأُعدم في 13 ديسمبر 2005 في سجن سان كوينتين، ليختتم حياة تقف على الحد الفاصل بين الظلام والنور.

يبقى تاريخ نوبل، من تجاهل تولستوي إلى ترشيح ويليامز خلف القضبان، مرآة لأسئلة عميقة حول العدالة، الذوق الأدبي، والقدرة البشرية على السقوط والنهضة. إنّ قصص الجائزة لا تتعلق فقط بالفوز، بل بما تكشفه من تناقضات الإنسان وسعيه الدائم لترك أثر، سواء في قاعة فاخرة أو في زنزانة إعدام.

البحث