في مشهد يعكس أحد أكثر تناقضات العصر الرقمي حدّة، وجدت مصممة الجرافيك ليزا كارستنز نفسها أكثر انشغالًا من أي وقت مضى، لكن ليس بسبب ازدهار الطلب على الإبداع البشري وحده، بل بفضل أخطاء الذكاء الاصطناعي نفسه.
كارستنز، التي تعمل كمستقلة في إسبانيا، تمضي معظم وقتها حاليًا في تصحيح التصاميم الرديئة التي أنشأها عملاؤها باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. فبدلاً من أن تستبعدها التكنولوجيا من سوق العمل، باتت تعزز الطلب على خدماتها.
غالبًا ما تستقبل كارستنز شعارات مشوشة أو صورًا مليئة بالنصوص غير المفهومة والتفاصيل غير الدقيقة، والتي تنهار بمجرد تكبيرها. وتقول:
“بعض الأشخاص يدركون أن الذكاء الاصطناعي غير مثالي، لكن البعض الآخر يأتي غاضبًا لأنه لم يتمكن من إنجاز العمل وحده… ويجب أن أكون متعاطفة، ثم أصلح ما تم تخريبه.”
هذا النوع من الأعمال بات يمثل فئة جديدة ناشئة في سوق العمل، ظهرت نتيجة الاستخدام المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي رغم قوتها، ما زالت تُنتج محتوى يحتاج إلى تدخّل بشري مكثف لتحسينه أو حتى إعادة بنائه من الصفر.
المفارقة؟ عوضًا عن استبدال المبدعين، خلقت التكنولوجيا حاجة جديدة إليهم — ليس للإبداع فقط، بل لإصلاح ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي إتقانه بعد.
يواجه المبرمجون والفنانون والكتّاب تحديًا مشتركًا: إعادة صياغة، تحسين، أو إصلاح أعمال أنتجتها أدوات مثل “شات جي بي تي” أو مولدات الصور الذكية. ففي كثير من الحالات، يكون تصحيح المحتوى الآلي أكثر صعوبة من إنتاجه يدويًا منذ البداية.
ووفقًا لدراسة حديثة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، فإن معظم الشركات التي استخدمت الذكاء الاصطناعي التوليدي لم تحصد عائدًا ماليًا حقيقيًا منه. وقد وجدت الدراسة أن التحدي الأكبر لا يكمن في البنية التحتية أو المواهب، بل في أن أدوات الذكاء الاصطناعي نفسها لا تتعلم من ملاحظات المستخدمين ولا تتطور تلقائيًا.
وفي حين يُعدّ العمل في إصلاح محتوى الذكاء الاصطناعي أقل جاذبية وربما أقل أجرًا مقارنة بالأعمال الإبداعية الأصلية، إلا أن العديد من المستقلين يعتبرونه وسيلة عملية لدفع الفواتير والبقاء في السوق.
أما ليزا كارستنز، فتقول إن بعض التصاميم تكون جيدة بما يكفي لتحتاج فقط إلى لمسات بسيطة، لكنها في أحيان أخرى تضطر إلى إعادة التصميم بالكامل يدويًا، استنادًا إلى فكرة الذكاء الاصطناعي الأصلية، وهو ما يأخذ وقتًا أطول مما لو قامت بالتنفيذ من البداية.
هكذا، وفي مفارقة مدهشة، بات الذكاء الاصطناعي مصدر رزق إضافي لأولئك الذين قيل إنهم سيكونون أول من يخسر وظيفته بسببه.